هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص الانبياء .......

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:47

[size=16]إدريس عليه السلام


نبذة:

كان صديقا نبيا ومن الصابرين، أول نبي بعث في الأرض بعد آدم، وهو أبو جد نوح، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة، ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها، وأول من نظر في علم النجوم وسيرها.

سيرته:

إدريس عليه السلام هو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابة العزيز، وذكره في بضعة مواطن من سور القرآن، وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلاً أي يجب اعتقاد نبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم لأن القرآن قد ذكره باسمه وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.

نسبه:

هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم عليه السلام واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح عليه السلام. وهو أول بني آدم أعطي النبوة بعد (آدم) و (شيث) عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم عليه السلام 308 سنوات لأن آدم عمر طويلاً زهاء 1000 ألف سنة.

حياته:

وقد أختلف العلماء في مولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر والصحيح الأول، وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، ولما كبر آتاه الله النبوة فنهي المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة (آدم) و (شيث) فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع خفير، فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل (بابل) فقال إذا هاجرنا رزقنا الله غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق. وكانت له مواعظ وآداب فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة، بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر من كل شي من المشروبات وشدد فيه أعظم تشديد وقيل إنه كان في زمانه 72 لساناً يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى منطقهم جميعاً ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم. وهو أول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدناً في أرضها وأنشئت في زمانه 188 مدينة وقد اشتهر بالحكمة فمن حكمة قوله (خير الدنيا حسرة، وشرها ندم) وقوله (السعيد من نظر إلى نفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة) وقوله (الصبر مع الإيمان يورث الظفر).

وفاته:

وقد أُخْتُلِفَ في موته.. فعن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}؟ فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه - فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال "له": إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}. ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها. وعنده فقال لذلك الملك سل لي ملك الموت كم بقي من عمري؟ فسأله وهو معه: كم بقي من عمره؟ فقال: لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر. وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.

وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى. إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رفع حياً إلى السماء ثم قبض هناك. فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار. والله أعلم.

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} : رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد. وقال الحسن البصري: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إلى الجنة، وقال قائلون رفع في حياة أبيه يرد بن مهلاييل والله أعلم. وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح بل في زمان بني إسرائيل.

قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه لما مرّ به عليه السلام قال له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدمو إبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له.

وهذا لا يدل ولابد، قد لا يكون الراوي حفظه جيداً، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبي البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن، وأكبر أولي العزم بعد محمد صلوات الله عليهم أجمعين
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:47

نوح عليه السلام



نبذة:

كان نوح تقيا صادقا أرسله الله ليهدي قومه وينذرهم عذاب الآخرة ولكنهم عصوه وكذبوه، ومع ذلك استمر يدعوهم إلى الدين الحنيف فاتبعه قليل من الناس، واستمر الكفرة في طغيانهم فمنع الله عنهم المطر ودعاهم نوح أن يؤمنوا حتى يرفع الله عنهم العذاب فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب ولكنهم رجعوا إلى كفرهم، وأخذ يدعوهم 950 سنة ثم أمره الله ببناء السفينة وأن يأخذ معه زوجا من كل نوع ثم جاء الطوفان فأغرقهم أجمعين.
سيرته:

حال الناس قبل بعثة نوح:

قبل أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح، عاشوا زمنا ثم ماتوا، كانت أسماء الرجال الخمسة هي: (ودَّ، سُواع، يغوث، يعوق، نسرا). بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم، ومضى الوقت.. ومات الذين نحتوا التماثيل.. وجاء أبنائهم.. ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء.. ثم نسجت قصصا وحكايات حول التماثيل تعزو لها قوة خاصة.. واستغل إبليس الفرصة، وأوهم الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر.. وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل.

إرسال نوح عليه السلام:



كان نوح كان على الفطرة مؤمنا بالله تعالى قبل بعثته إلى الناس. وكل الأنبياء مؤمنون بالله تعالى قبل بعثتهم. وكان كثير الشكل لله عزّ وجلّ. فاختاره الله لحمل الرسالة. فخرج نوح على قومه وبدأ دعوته:

يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ بهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية.. وحقيقة البعث. هناك إله خالق وهو وحده الذي يستحق العبادة.. وهناك موت ثم بعث ثم يوم للقيامة. يوم عظيم، فيه عذاب يوم عظيم.شرح "نوح" لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غير إله واحد هو الخالق. أفهمهم أن الشيطان قد خدعهم زمنا طويلا، وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع، حدثهم نوح عن تكريم الله للإنسان. كيف خلقه، ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل، وليست عبادة الأصنام غير ظلم خانق للعقل.

تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته. لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء، وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة.. أما الأغنياء والأقوياء والكبراء، تأملوا الدعوة بعين الشك… ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه.. فقد بدءوا حربهم ضد نوح.

في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم:



فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا

قال تفسير القرطبي: الملأ الذين كفروا من قومه هم الرؤساء الذين كانوا في قومه. يسمون الملأ لأنهم مليئون بما يقولون.

قال هؤلاء الملأ لنوح: أنت بشر يا نوح.

رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك، وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلى الأرض رسولا من البشر، لأن الأرض يسكنها البشر، ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة لأرسل الله رسولا من الملائكة.. استمرت الحرب بين الكافرين ونوح.

في البداية، تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح لا تلبث أن تنطفئ وحدها، فلما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة بدءوا الهجوم على نوح من هذه الناحية. هاجموه في أتباعه، وقالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل.

هكذا اندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه. ولجأ الذين كفروا إلى المساومة. قالوا لنوح: اسمع يا نوح. إذا أردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة مع هؤلاء.

واستمع نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون، ورغم ذلك كان طيبا في رده. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين، لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنما هم ضيوف الله.. وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء، إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.

كان نوح يناقش كل حجج الكافرين بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه. وهو منطق الفكر الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة.

قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة. ولم يروا هم ما آتاه الله، وهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان برسالته وهم كارهون. إن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض على أحد من البشر. أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته، لا يطلب منهم مالا فيثقل عليهم، إن أجره على الله، هو الذي يعطيه ثوابه. أفهمهم أنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله، وأن له حدوده كنبي. وحدوده لا تعطيه حق طرد المؤمنين لسببين: أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله؟ ثم أنه لو طردهم لخاصموه عند الله، ويجازي من طردهم، فمن الذي ينصر نوحا من الله لو طردهم؟ وهكذا انتهى نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم.

وعاد نوح يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق، وأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله عز وجل، فهو لا يدعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله، وهي إنعامه على من يشاء من عباده، وهو لا يعلم الغيب، لأن الغيب علم اختص الله تعالى وحده به. أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا. بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة.. قال لهم نوح: إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل.. إن هؤلاء المؤمنين الذي تحتقرونهم لن تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم، الله أعلم بما في أنفسهم. هو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به.. أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا.

وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح.. حكى الله موقفهم منه في سورة (هود):

قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) (هود)

أضاف نوح إغواءهم إلى الله تعالى. تسليما بأن الله هو الفاعل في كل حال. غير أنهم استحقوا الضلال بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم.. فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه محتاج في صدورها عنه إلى ربه. بهذه النظرة يستقيم معنى مساءلة الإنسان عن أفعاله. كل ما في الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له، سواء أكان التيسير إلى الخير أم إلى الشر.. وهذا من تمام الحرية وكمالها. يختار الإنسان بحريته فييسر له الله تعالى طريق ما اختاره. اختار كفار قوم نوح طريق الغواية فيسره الله لهم.

وتستمر المعركة، وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينه إذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال، بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله:

قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60) (الأعراف)

ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:

قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62) (الأعراف)

ويستمر نوح في دعوة قومه إلى الله. ساعة بعد ساعة. ويوما بعد يوم. وعاما بعد عام. ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه. كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، يضرب لهم الأمثال. ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات، وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق. واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.

وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكافرين. وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل، وظل يدعو قومه ويجادلهم، وظل قومه على الكبرياء والكفر والتبجح. وحزن نوح على قومه. لكنه لم يبلغ درجة اليأس. ظل محتفظا بالأمل طوال 950 سنة. ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة، وربما يكون هذا العمر الطويل لنوح معجزة خاصة له.

وجاء يوم أوحى الله إليه، أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك:

وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) (نوح)

برر نوح دعوته بقوله:

إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (26) (نوح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:48

[size=16]الطوفان:

ثم أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان. أخبر الله تعالى عبده نوحا أنه سيصنع سفينة (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) أي بعلم الله وتعليمه، وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة الملائكة. أصدر الله تعالى أمره إلى نوح: (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) يغرق الله الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم للنبي، وينهى الله نبيه أن يخاطبه أو يتوسط لهم.

وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة. انتظر سنوات، ثم قطع ما زرعه، وبدأ نجارته. كانت سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة، وقد اختلف المفسرون في حجمها، وهيئتها، وعدد طبقاتها، ومدة عملها، والمكان الذي عملت فيه، ومقدار طولها، وعرضها، على أقوال متعارضة لم يصح منها شيء. وقال الفخر الرازي في هذا كله: أعلم أن هذه المباحث لا تعجبني، لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة، ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلا. نحن نتفق مع الرازي في مقولته هذه. فنحن لا نعرف عن حقيقة هذه السفينة إلا ما حدثنا الله به. تجاوز الله تعالى هذه التفصيلات التي لا أهمية لها، إلى مضمون القصة ومغزاها المهم.

بدأ نوح يبني السفينة، ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنع السفينة، والجفاف سائد، وليست هناك أنهار قريبة أو بحار. كيف ستجري هذه السفينة إذن يا نوح؟ هل ستجري على الأرض؟ أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح، وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح. وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد أن كنت نبيا!

إن قمة الصراع في قصة نوح تتجلى في هذه المساحة الزمنية، إن الباطل يسخر من الحق. يضحك عليه طويلا، متصورا أن الدنيا ملكه، وأن الأمن نصيبه، وأن العذاب غير واقع.. غير أن هذا كله مؤقت بموعد حلول الطوفان. عندئذ يسخر المؤمنون من الكافرين، وتكون سخريتهم هي الحق.

انتهى صنع السفينة، وجلس نوح ينتظر أمر الله. أوحى الله إلى نوح أنه إذا فار التنور هذا علامة على بدء الطوفان. قيل في تفسير التنور أنه بركان في المنطقة، وقيل أن الفرن الكائن في بيت نوح، إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة.

وجاء اليوم الرهيب، فار التنور. وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به، وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض. حمل نوح إلى السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين، بقرا وثورا، فيلا وفيلة، عصفورا وعصفور، نمرا ونمرة، إلى آخر المخلوقات. كان نوح قد صنع أقفاصا للوحوش وهو يصنع السفينة. وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين، لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض، وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها، فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من الحيوان والطير. وبدأ صعود السفينة. صعدت الحيوانات والوحوش والطيور، وصعد من آمن بنوح، وكان عدد المؤمنين قليلا.

لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد، وكان أحد أبنائه يخفي كفره ويبدي الإيمان أمام نوح، فلم يصعد هو الآخر. وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هي الأخرى، فلم تصعد. وصعد المؤمنون. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا.

ارتفعت المياه من فتحات الأرض. انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميات لم تر مثلها الأرض. فالتقت أمطار السماء بمياه الأرض، وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة. فقدت البحار هدوئها، وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة، وتكتسح الأرض. وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.

ارتفعت المياه أعلى من الناس. تجاوزت قمم الأشجار، وقمم الجبال، وغطت سطح الأرض كله. وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه. كان ابنه يقف بمعزل منه. ويحكي لنا المولى عز وجل الحوار القصير الذي دار بين نوح عليه السلام وابنه قبل أن يحول بينهما الموج فجأة.

نادى نوح ابنه قائلا: يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ
ورد الابن عليه:
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء
عاد نوح يخاطبه: قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ


وانتهى الحوار بين نوح وابنه:

وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ


انظر إلى تعبير القرآن الكريم (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أنهى الموج حوارهما فجأة. نظر نوح فلم يجد ابنه. لم يجد غير جبال الموج التي ترتفع وترفع معها السفينة، وتفقدها رؤية كل شيء غير المياه. وشاءت رحمة الله أن يغرق الابن بعيدا عن عين الأب، رحمة منه بالأب، واعتقد نوح أن ابنه المؤمن تصور أن الجبل سيعصمه من الماء، فغرق.

واستمر الطوفان. استمر يحمل سفينة نوح. بعد ساعات من بدايته، كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا. لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي من سفينة نوح، وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض. وأنواع الحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية. ومن الصعب اليوم تصور هول الطوفان أو عظمته. كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق. كانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال. ويعتقد بعض العلماء الجيولوجيا اليوم إن انفصال القارات وتشكل الأرض في صورتها الحالية، قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار، ثارت فيه المياه ثورة غير مفهومة. حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض، وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيه ما نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية.

استمر طوفان نوح زمنا لا نعرف مقداره. ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار، وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء، وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي، وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق. طهر الطوفان الأرض وغسلها. قال تعالى في سورة (هود):

وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) (هود)

(وَغِيضَ الْمَاء) بمعنى نقص الماء وانصرف عائدا إلى فتحات الأرض. (وَقُضِيَ الأَمْرُ) بمعنى أنه أحكم وفرغ منه، يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما. ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة قبل الطوفان، فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير. (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ)بمعنى رست عليه، وقيل كان ذلك يوم عاشوراء. فصامه نوح، وأمر من معه بصيامه. (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)أي هلاكا لهم. طهر الطوفان الأرض منهم وغسلها. ذهب الهول بذهاب الطوفان. وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح.. تذكر ابنه الذي غرق.

لم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن ابنه كافر. كان يتصور أنه مؤمن عنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل. وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم.. فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان. تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة. قال تعالى في سورة (هود):

وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) (هود)

أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين. وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين. قال الله سبحانه وتعالى، مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة الأولى:

يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) (هود)

قال القرطبي -نقلا عن شيوخه من العلماء- وهو الرأي الذي نؤثره: كان ابنه عنده -أي نوح- مؤمنا في ظنه، ولم يك نوح يقول لربه: (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) إلا وذلك عنده كذلك، إذ محال أن يسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم. وكان ابنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان. فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب. أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت. وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين، يريد أن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا، ثم يهلك مع الكافرين.

وثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه. أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم أن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس. ابن النبي هو ابنه في العقيدة. هو من يتبع الله والنبي، وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه. هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن. وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب. لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض. واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه الله وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته. وهبط نوح من سفينته. أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض، نزل المؤمنون بعد ذلك. ولا يحكي لنا القرآن الكريم قصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:50

[size=16]هود عليه السلام

نبذة:

أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف، وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهم لم يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كان حكيما ولكنهم كذبوه وآذوه فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية استمرت سبع ليال وثمانية أيام.

سيرته:

عبادة الناس للأصنام:

بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.

قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.

إرسال هود عليه السلام:

كان "هود" من قبيلة اسمها "عاد" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. وهو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطل على البحر. أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. كانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم. فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة. كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه. وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشد الناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.

قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول. لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع. كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).

وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟

إن هذه الظنون السئية تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده. فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية. ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.

أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة. حدثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع. كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض. وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.

قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟
قال هود: كان آباؤكم مخطئين.
قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى الحياة؟
قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.


انفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة. ما أغرب ادعاء هود. هكذا تهامس الكافرون من قومه. إن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب. كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات من موتهم؟

استقبل هود كل هذه الأسئلة بصبر كريم.. ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة. إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض. إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها. فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة. أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟

إن العدالة تقتضي وجود يوم للقيامة. إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة. أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة الخير. هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟

إن ظلما عظيما يتأكد لو افترضنا أن يوم القيامة لن يجئ. ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده. ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء. ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى. ويحكم فيها رب العالمين سبحانه. هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.

وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه. إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث الأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في الإيمان بيوم القيامة.

حدثهم هود بهذا كله فاستمعوا إليه وكذبوه. قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من في القبور، استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب، رغم أنه خلقه من قبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحس المكذبون للبعث أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول. لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟! إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق. وليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر.

موقف الملأ من دعوة هود:

يروي المولى عزل وجل موقف الملأ (وهم الرؤساء) من دعوة هود عليه السلام. سنرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء. سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء. يصفهم الله تعالى بقوله: (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من مواقع الثراء والغنى والترف، يولد الحرص على استمرار المصالح الخاصة. ومن مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة، يولد الكبرياء. ويلتفت الرؤساء في القوم إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذا النبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره يأكل أقل مما نأكل، ويشرب في أكواب صدئة، ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة.. كيف يدعي أنه على الحق ونحن على الباطل؟ هذا بشر .. كيف نطيع بشرا مثلنا؟ ثم.. لماذا اختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟

قال رؤساء قوم هود: أليس غريبا أن يختار الله من بيننا بشرا ويوحي إليه؟!
تسائل هو: ما هو الغريب في ذلك؟ إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم. إن سفينة نوح، وقصة نوح ليست ببعيدة عنكم، لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله، وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما، مهما يكونوا أقوياء.
قال رؤساء قوم هود: من الذي سيهلكنا يا هود؟
قال هود: الله .
قال الكافرون من قوم هود: ستنجينا آلهتنا.


وأفهمهم هود أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله، هي نفسها التي تبعدهم عن الله. أفهمهم أن الله هو وحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض لا تستطيع أن تضر أو تنفع.

واستمر الصراع بين هود وقومه. وكلما استمر الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم. وبدءوا يتهمون "هودا" عليه السلام بأنه سفيه مجنون.

قالوا له يوما: لقد فهمنا الآن سر جنونك. إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرت مجنونا.

انظروا للسذاجة التي وصل إليها تفكيرهم. إنهم يظنون أن هذه الحجارة لها قوى على من صنعها. لها تأثير على الإنسان مع أنا لا تسمع ولا ترى ولا تنطق. لم يتوقف هود عند هذيانهم، ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان، ولكنه توقف عند قولهم: (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).

بعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي. لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده. لم يبق أمامه إلا إنذار أخير ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم.. وتحدث هود:


إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) (هود)

إن الإنسان ليشعر بالدهشة لهذه الجرأة في الحق. رجل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى. يتصورون أن أصنام الحجارة تستطيع الإيذاء. إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم، ويتبرأ منهم ومن آلهتهم، ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال، فهو على استعداد لتلقي كيدهم، وهو على استعداد لحربهم فقد توكل على الله. والله هو القوي بحق، وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض. سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان. لا شيء يعجز الله.

بهذا الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره.. يخاطب هود الذين كفروا من قومه. وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله. وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة. فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم، سوف يستبدل بهم قوما آخرين. وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.

هلاك عاد:

وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم. وتوكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه. هذا قانون من قوانين الحياة. يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة.

انتظر هود وانتظر قومه وعد الله. وبدأ الجفاف في الأرض. لم تعد السماء تمطر. وهرع قوم هود إليه. ما هذا الجفاف يا هود؟ قال هود: إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم. وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر. وزاد الجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع. وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء. وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا).

تغير الجو فجأة. من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس. بدأت الرياح تهب. ارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام. واستمرت الريح. ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم. كل ساعة كانت برودتها تزداد. وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية. كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره. لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم.

استمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط. ثم توقفت الريح بإذن ربها. لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت. مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء.

نجا هود ومن آمن معه.. وهلك الجبابرة.. وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:50

[size=16]صالح عليه السلام


نبذة:

أرسله الله إلى قوم ثمود وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.

سيرته:

إرسال صالح عليه السلام لثمود:

جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.

فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة في المجتمع.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:



قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) (هود)

تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة.معجزة صالح عليه السلام:

ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها.

قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:



وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) (هود) والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس. كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله. وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.

في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر. وذلك لأن الكفار عندما يطلبون من نبيهم آية، ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده.



كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقه وبينة على دعوته. وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله. وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم. كما ذكرهم بإنعام الله عليهم: بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة.لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.
يسألونهم سؤال استخفاف وزراية: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ؟!
قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح:
إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم.. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.


تآمر الملأ على الناقة:

وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة. كره الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا في أنفسهم أمرا.

وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم، وقد أصبح من المألوف أن نرى أن في قصص الأنبياء هذه التدابير للقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته تأتي من رؤساء القوم، فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده. أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتل صالح نفسه.

وهذا هو سلاح الظلمة والكفرة في كل زمان ومكان، يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار والنقاش بالحجج والبراهين. لأنهم يعلمون أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه، ومهما امتد بهم الزمان سيظهر الحق ويبطل كل حججهم. وهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة، وقرروا القضاء على الحق قبل أن تقوى شوكته.

لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم. وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض، الويل لمن يعترضهم.

هؤلاء هم أداة الجريمة. اتفق على موعد الجريمة ومكان التنفيذ. وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة.هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.

هلاك ثمود:

علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟
قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟
قال صالح لقومه: تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ




بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.

هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:52

[size=16]إبراهيم عليه السلام



نبذة:


هو خليل الله، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاه برسالته، وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولوا إحراقه فأنجاه الله من بين أيديهم، جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد له إسماعيل وإسحاق، قام إبراهيم ببناء الكعبة مع إسماعيل.
سيرته:

منزلة إبراهيم عليه السلام:

هو أحد أولي العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقا غليظا، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.. بترتيب بعثهم. وهو النبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين. بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب. ورغم حدة الشدة، وعنت البلاء.. كان إبراهيم هو العبد الذي وفى. وزاد على الوفاء بالإحسان.



وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب. وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.

وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب. فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم. ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة. نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم. إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قال أسلمت لرب العالمين. نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.



يذكر لنا ربنا ذو الجلال والإكرام أمرا آخر أفضل من كل ما سبق. فيقول الله عز وجل في محكم آياته: (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي، اتخذه الله خليلا غير إبراهيم. قال العلماء: الخُلَّة هي شدة المحبة. وبذلك تعني الآية: واتخذ الله إبراهيم حبيبا. فوق هذه القمة الشامخة يجلس إبراهيم عليه الصلاة والسلام. إن منتهى أمل السالكين، وغاية هدف المحققين والعارفين بالله.. أن يحبوا الله عز وجل. أما أن يحلم أحدهم أن يحبه الله، أن يفرده بالحب، أن يختصه بالخُلَّة وهي شدة المحبة.. فذلك شيء وراء آفاق التصور. كان إبراهيم هو هذا العبد الرباني الذي استحق أن يتخذه الله خليلا. حال المشركين قبل بعثة إبراهيم:

لا يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة، ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه، فتدب الحياة في عصره، وترى الناس قد انقسموا ثلاث فئات:



  • فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية.
  • وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر.
  • وفئة تعبد الملوك والحكام.

نشأة إبراهيم عليه السلام:

وفي هذا الجو ولد إبراهيم. ولد في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام، كان كافرا متميزا يصنع بيديه تماثيل الآلهة. وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة، وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا، وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته.. ومهما يكن من أمر فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة.

رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة. ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع. هي أسرة مرموقة، أسرة من الصفوة الحاكمة.

من هذه الأسرة المقدسة، ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظام مجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب وضد كل أنواع الشرك باختصار.



مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهية صادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده. لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنع بيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه. لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها. كيف يتصور الناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟! مواجهة عبدة الكواكب والنجوم:

قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم من قومه، فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل، أن هذا الكوكب ربه. ويبدو أن قومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب. وكانت الملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم والملوك. غير أن إبراهيم كان يدخر لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس. وإبراهيم لا يحب الآفلين. فعاد إبراهيم في الليلة الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه. لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب. كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق. لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر. لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفي. فقال إبراهيم عدما أفل القمر (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) نلاحظ هنا أنه عندما يحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر.. فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف. كيف يعبد الناس ربا يختفي ويأفل. (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) يفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون. غير أن اللفتة لا تصل إليهم. ويعاود إبراهيم محاولته في إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه.. عبدة الكواكب والنجوم. فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من القمر. وما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب. فكلها مغلوقات تأفل. وأنهى جولته الأولى بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا.. ليس مشركا مثلهم.

استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق. وبدأ صراع قومه معه. لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب. بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده. ورد إبراهيم عليهم قال:



أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) (الأنعام)

لا نعرف رهبة الهجوم عليه. ولا حدة الصراع ضده، ولا أسلوب قومه الذي اتبعه معه لتخويفه. تجاوز القرآن هذا كله إلى رده هو. كان جدالهم باطلا فأسقطه القرآن من القصة، وذكر رد إبراهيم المنطقي العاقل. كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟ أي الفريقين أحق بالأمن؟

بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب، استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام. آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه الحجة في كل مرة. سبحانه.. كان يؤيد إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض. لم يكن معه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة الأصنام. هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة. أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم.. وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:54

ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:

في هذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:


وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)

لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة. والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.

(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.

ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.

يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.



ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية. قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.

يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ



واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:


وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)



لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ). انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:54

المشهد الثاني:

بدأ الموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصور الطبقة الراقية يومها.. ووجدت فيه نساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياة هذه الطبقات من المعنى، وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التي ترتبط بشخصيات شهيرة.. وزاد حديث المدينة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومن بيت إلى بيت.. حتى وصل لامرأة العزيز.

المشهد الثالث:



فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) (يوسف)

عندما سمعت امرأة العزيز بما تتناقله نساء الطبقة العليا عنها، قررت أن تعد مأدبة كبيرة في القصر. وأعدت الوسائد حتى يتكئ عليها المدعوات. واختارت ألوان الطعام والشراب وأمرت أن توضع السكاكين الحادة إلى جوار الطعام المقدم. ووجهت الدعوة لكل من تحدثت عنها. وبينما هن منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة، فاجأتهن بيوسف: وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا

(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بهتن لطلعته، ودهشن. (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة. (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع الله.. (مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) يتضح من هذه التعبيرات أن شيئا من ديانات التوحيد تسربت لأهل ذلك الزمان.

ورأت المرأة أنها انتصرت على نساء طبقتها، وأنهن لقين من طلعة يوسف الدهش والإعجاب والذهول. فقالت قولة المرأة المنتصرة، التي لا تستحي أمام النساء من بنات جنسها وطبقتها، والتي تفتخر عليهن بأن هذا متناول يدها؛ وإن كان قد استعصم في المرة الأولى فهي ستحاول المرة تلو الأخرى إلى أن يلين: انظرن ماذا لقيتن منه من البهر والدهش والإعجاب! لقد بهرني مثلكن فراودته عن نفسه لكنه استعصم، وإن لم يطعني سآمر بسجنه لأذلّه.

إنها لم ترى بأسا من الجهر بنزواتها الأنثوية أما نساء طبقتها. فقالتها بكل إصرار وتبجح، قالتها مبيّنة أن الإغراء الجديد تحت التهديد.

واندفع النسوة كلهم إليه يراودنه عن نفسه.. كل منهن أرادته لنفسها.. ويدلنا على ذلك أمران. الدليل الأول هو قول يوسف عليه السلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فلم يقل (ما تدعوني إليه).. والأمر الآخر هو سؤال الملك لهم فيما بعد (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ).

أمام هذه الدعوات -سواء كانت بالقول أم بالحركات واللفتات- استنجد يوسف بربه ليصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاه على نفسه. دعى يوسف الله دعاء الإنسان العارف ببشريته، الذي لا يغتر بعصمته؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته، ويعاونه على ما يعترضه من فتة وكيد وإغراء. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) واستجاب له الله.. وصرف عنه كيد النسوة.

وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن، بعد هذه التجربة؛ أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى ما يحس في نفسه أثرا منه. أو بهما جميعا. وهكذا اجتاز يوسف المحنة الثانية بلطف الله ورعايته، فهو الذي سمع الكيد ويسمع الدعاء، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء.

ما انتهت المحنة الثانية إلا لتبدأ الثالثة.. لكن هذه الثالثة هي آخر محن الشدة.

يسجن يوسف عليه السلام والفصل الثالث من حياته:

ربما كان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى في سورة (يوسف):


ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (يوسف)

وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذا العصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكم المطلق.

إن حلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على من يعبد آلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيع حريات الناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرى في قصة يوسف شاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخل السجن. بلا قضية ولا محاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهة متعددة أن يسجن بريء. بل لعل الصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.

دخل يوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصاب أقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاح زوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.

ويبين لنا القرآن الكريم المشهد الأول من هذا الفصل:

يختصر السياق القرآني ما كان من أمر يوسف في السجن.. لكن الواضح أن يوسف -عليه السلام- انتهز فرصة وجوده في السجن، ليقوم بالدعوة إلى الله. مما جعل السجناء يتوسمون فيه الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك.

انتهز يوسف -عليه السلام- هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمة الخالق وعظمته وحبه لمخلوقاته، كان يسأل الناس: أيهما أفضل.. أن ينهزم العقل ويعبد أربابا متفرقين.. أم ينتصر العقل ويعبد رب الكون العظيم؟ وكان يقيم عليهم الحجة بتساؤلاته الهادئة وحواره الذكي وصفاء ذهنه، ونقاء دعوته.

وفي أحد الأيام، قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجهه الخير. إن أول ما قام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علما خاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهما إلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكل هذا برفق ولطف ليدخل إلى النفوس بلا مقاومة.

بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّن لهما أن أحدها سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء. وتروي بعض التفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا، والآخر يسقي الناس، وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.

أوصى يوسف من سينجو منهما أن يذكر حاله عن الملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما ألهته حياة القصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. أراد الله بهذا أن يعلم يوسف -عليه السلام- درسا.

فقد ورد في إحدى الرويات أنه جاءه جبريل قال: يا يوسف من نجّاك من إخوتك؟ قال: الله. قال: من أنقذك من الجب؟ قال: الله. قال: من حررك بعد أن صرت عبدا؟ قال: الله. قال: من عصمك من النساء؟ قال: الله. قال: فعلام تطلب النجاة من غيره؟

وقد يكون هذا الأمر زيادة في كرم الله عليه واصطفاءه له، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد.

المشهد الثاني:

في هذا المشهد تبدأ نقطة التحول.. التحول من محن الشدة إلى محن الرخاء.. من محنة العبودية والرق لمحنة السلطة والملك.

في قصر الحكم.. وفي مجلس الملك: يحكي الملك لحاشيته رؤياه طالبا منهم تفسيرا لها. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) لكن المستشارين والكهنة لم يقوموا بالتفسير. ربما لأنهم لم يعرفوا تفسيرها، أو أنهم أحسوا أنها رؤيا سوء فخشوا أن يفسروها للملك، وأرادوا أن يأتي التفسير من خارج الحاشية -التي تعودت على قول كل ما يسر الملك فقط. وعللوا عدم التفسير بأن قالوا للملك أنها أجزاء من أحلام مختلطة ببعضها البعض، ليست رؤيا كاملة يمكن تأويلها.

المشهد الثالث:

وصل الخبر إلى الساقي -الذي نجا من السجن.. تداعت أفكاره وذكره حلم الملك بحلمه الذي رآه في السجن، وذكره السجن بتأويل يوسف لحلمه. وأسرع إلى الملك وحدثه عن يوسف. قال له: إن يوسف هو الوحيد الذي يستطيع تفسير رؤياك.

وأرسل الملك ساقيه إلى السجن ليسأل يوسف. ويبين لنا الحق سبحانه كيف نقل الساقي رؤيا الملك ليوسف بتعبيرات الملك نفسها، لأنه هنا بصدد تفسير حلم، وهو يريد أن يكون التفسير مطابقا تماما لما رءاه الملك. وكان الساقي يسمي يوسف بالصديق، أي الصادق الكثير الصدق.. وهذا ما جربه من شأنه من قبل.

جاء الوقت واحتاج الملك إلى رأي يوسف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). سُئِلَ يوسف عن تفسير حلم الملك.. فلم يشترط خروجه من السجن مقابل تفسيره. لم يساوم ولم يتردد ولم يقل شيئا غير تفسير الرؤيا.. هكذا ببراءة النبي حين يلجأ إليه الناس فيغيثهم.. وإن كان هؤلاء أنفسهم سجانيه وجلاديه.

لم يقم يسوف -عليه السلام- بالتفسير المباشر المجرد للرؤيا. وإنما قدم مع التفسير النصح وطريقة مواجهة المصاعب التي ستمر بها مصر. أفهم يوسف رسول الملك أن مصر ستمر عليها سبع سنوات مخصبة تجود فيها الأرض بالغلات. وعلى المصريين ألا يسرفوا في هذه السنوات السبع. لأن وراءها سبع سنوات مجدبة ستأكل ما يخزنه المصريون، وأفضل خزن للغلال أن تترك في سنابلها كي لا تفسد أو يصيبها السوس أو يؤثر عليها الجو.

بهذا انتهى حلم الملك.. وزاد يوسف تأويله لحلم الملك بالحديث عن عام لم يحلم به الملك، عام من الرخاء. عام يغاث فيه الناس بالزرع والماء، وتنمو كرومهم فيعصرون خمرا، وينمو سمسمهم وزيتونهم فيعصرون زيتا. كان هذا العام الذي لا يقابله رمز في حلم الملك. علما خاصا أوتيه يوسف. فبشر به الساقي ليبشر به الملك والناس.

المشهد الرابع:

عاد الساقي إلى الملك. أخبره بما قال يوسف، دهش الملك دهشة شديدة. ما هذا السجين..؟ إنه يتنبأ لهم بما سيقع، ويوجههم لعلاجه.. دون أن ينتظر أجرا أو جزاء. أو يشترط خروجا أو مكافأة. فأصدر الملك أمره بإخراج يوسف من السجن وإحضاره فورا إليه. ذهب رسول الملك إلى السجن. ولا نعرف إن كان هو الساقي الذي جاءه أول مرة. أم أنه شخصية رفيعة مكلفة بهذه الشؤون. ذهب إليه في سجنه. رجا منه أن يخرج للقاء الملك.. فهو يطلبه على عجل. رفض يوسف أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأدب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة. ويظهر أثر التربية واضحا في الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقول يوسف فيه للفتى: اذكرني عند ربك، والموقف الذي يقول فيه: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتي قطعن أيدهن، الفارق بين الموقفين كبير.

المشهد الخامس:

تجاوز السياق القرآني عما حدث بين الملك ورسوله، وردة فعل الملك. ليقف بنا أمام المحاكة. وسؤال الملك لنساء الطبقة العليا عما فعلنه مع يوسف. يبدوا أن الملك سأل عن القصة ليكون على بينة من الظروف قبل أن يبدأ التحقيق، لذلك جاء سؤاله دقيقا للنساء. فاعترف النساء بالحقيقة التي يصعب إنكارها (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ).

وهنا تتقدم المرأة المحبة ليوسف، التي يئست منه، ولكنها لا تستطيع أن تخلص من تعلقها به.. تتقدم لتقول كل شيء بصراحة. يصور السياق القرآني لنا اعتراف امرأة العزيز، بألفاظ موحية، تشي بما وراءها من انفعالات ومشاعر عميقة (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) شهادة كاملة بإثمها هي، وبراءته ونظافته وصدقه هو. شهادة لا يدفع إليها خوف أو خشية أو أي اعتبار آخر.. يشي السياق القرآني بحافز أعمق من هذا كله. حرصها على أن يحترمها الرجل الذي أهان كبرياءها الأنثوية، ولم يعبأ بفتنتها الجسدية. ومحاولة يائسة لتصحيح صورتها في ذهنه. لا تريده أن يستمر على تعاليه واحتقاره لها كخاطئة. تريد أن تصحح فكرته عنها: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). لست بهذا السوء الذي يتصوره فيني. ثم تمضي في هذه المحاولة والعودة إلى الفضيلة التي يحبها يوسف ويقدرها (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ). وتمضي خطوة أخرى في هذه المشاعر الطيبة (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).



إن تأمل الآيات يوحي بأن امرأة العزيز قد تحولت إلى دين يوسف. تحولت إلى التوحيد. إن سجن يوسف كان نقلة هائلة في حياتها. آمنت بربه واعتنقت ديانته.

ويصدر الأمر الملكي بالإفراج عنه وإحضاره. يهمل السياق القرآني بعد ذلك قصة امرأة العزيز تماما، يسقطها من المشاهد، فلا نعرف ماذا كان من أمرها بعد شهادتها الجريئة التي أعلنت فيها ضمنا إيمانها بدين يوسف.

وقد لعبت الأساطير دورها في قصة المرأة.. قيل: إن زوجها مات وتزوجت من يوسف، فاكتشف أنها عذراء، واعترفت له أن زوجها كان شيخا لا يقرب النساء.. وقيل: إن بصرها ضاع بسبب استمرارها في البكاء على يوسف، خرجت من قصرها وتاهت في طرقات المدينة، فلما صار يوسف كبيرا للوزراء، ومضى موكبه يوما هتفت به امرأة ضريرة تتكفف الناس: سبحان من جعل الملوك عبيدا بالمعصية، وجعل العبيد ملوكا بالطاعة.

سأل يوسف: صوت من هذا؟ قيل له: امرأة العزيز. انحدر حالها بعد عز. واستدعاها يوسف وسألها: هل تجدين في نفسك من حبك لي شيئا؟

قالت: نظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا يا يوسف.. ناولني نهاية سوطك. فناولها. فوضعته على صدرها، فوجد السوط يهتز في يده اضطرابا وارتعاشا من خفقان قلبها.

وقيلت أساطير أخرى، يبدو فيها أثر المخيلة الشعبية وهي تنسج قمة الدراما بانهيار العاشقة إلى الحضيض.. غير أن السياق القرآني تجاوز تماما نهاية المرأة.

أغفلها من سياق القصة، بعد أن شهدت ليوسف.. وهذا يخدم الغرض الديني في القصة، فالقصة أساسا قصة يوسف وليست قصة المرأة.. وهذا أيضا يخدم الغرض الفني.. لقد ظهرت المرأة ثم اختفت في الوقت المناسب.. اختفت في قمة مأساتها.. وشاب اختفاءها غموض فني معجز.. ولربما بقيت في الذاكرة باختفائها هذا زمنا أطول مما كانت تقضيه لو عرفنا بقية قصتها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:55

[size=16]ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:

في هذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)

لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة. والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.

(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.

ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.

يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.



ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية. قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.

يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ



واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:


وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)



لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ). انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:56

[size=16]المشهد الثاني:

بدأ الموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصور الطبقة الراقية يومها.. ووجدت فيه نساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياة هذه الطبقات من المعنى، وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التي ترتبط بشخصيات شهيرة.. وزاد حديث المدينة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومن بيت إلى بيت.. حتى وصل لامرأة العزيز.


المشهد الثالث:


فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) (يوسف)

عندما سمعت امرأة العزيز بما تتناقله نساء الطبقة العليا عنها، قررت أن تعد مأدبة كبيرة في القصر. وأعدت الوسائد حتى يتكئ عليها المدعوات. واختارت ألوان الطعام والشراب وأمرت أن توضع السكاكين الحادة إلى جوار الطعام المقدم. ووجهت الدعوة لكل من تحدثت عنها. وبينما هن منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة، فاجأتهن بيوسف: وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا

(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بهتن لطلعته، ودهشن. (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة. (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع الله.. (مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) يتضح من هذه التعبيرات أن شيئا من ديانات التوحيد تسربت لأهل ذلك الزمان.

ورأت المرأة أنها انتصرت على نساء طبقتها، وأنهن لقين من طلعة يوسف الدهش والإعجاب والذهول. فقالت قولة المرأة المنتصرة، التي لا تستحي أمام النساء من بنات جنسها وطبقتها، والتي تفتخر عليهن بأن هذا متناول يدها؛ وإن كان قد استعصم في المرة الأولى فهي ستحاول المرة تلو الأخرى إلى أن يلين: انظرن ماذا لقيتن منه من البهر والدهش والإعجاب! لقد بهرني مثلكن فراودته عن نفسه لكنه استعصم، وإن لم يطعني سآمر بسجنه لأذلّه.

إنها لم ترى بأسا من الجهر بنزواتها الأنثوية أما نساء طبقتها. فقالتها بكل إصرار وتبجح، قالتها مبيّنة أن الإغراء الجديد تحت التهديد.

واندفع النسوة كلهم إليه يراودنه عن نفسه.. كل منهن أرادته لنفسها.. ويدلنا على ذلك أمران. الدليل الأول هو قول يوسف عليه السلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فلم يقل (ما تدعوني إليه).. والأمر الآخر هو سؤال الملك لهم فيما بعد (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ).

أمام هذه الدعوات -سواء كانت بالقول أم بالحركات واللفتات- استنجد يوسف بربه ليصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاه على نفسه. دعى يوسف الله دعاء الإنسان العارف ببشريته، الذي لا يغتر بعصمته؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته، ويعاونه على ما يعترضه من فتة وكيد وإغراء. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) واستجاب له الله.. وصرف عنه كيد النسوة.

وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن، بعد هذه التجربة؛ أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى ما يحس في نفسه أثرا منه. أو بهما جميعا. وهكذا اجتاز يوسف المحنة الثانية بلطف الله ورعايته، فهو الذي سمع الكيد ويسمع الدعاء، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء.

ما انتهت المحنة الثانية إلا لتبدأ الثالثة.. لكن هذه الثالثة هي آخر محن الشدة.

يسجن يوسف عليه السلام والفصل الثالث من حياته:

ربما كان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى في سورة (يوسف):


ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (يوسف)

وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذا العصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكم المطلق.

إن حلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على من يعبد آلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيع حريات الناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرى في قصة يوسف شاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخل السجن. بلا قضية ولا محاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهة متعددة أن يسجن بريء. بل لعل الصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.

دخل يوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصاب أقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاح زوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.

ويبين لنا القرآن الكريم المشهد الأول من هذا الفصل:

يختصر السياق القرآني ما كان من أمر يوسف في السجن.. لكن الواضح أن يوسف -عليه السلام- انتهز فرصة وجوده في السجن، ليقوم بالدعوة إلى الله. مما جعل السجناء يتوسمون فيه الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك.

انتهز يوسف -عليه السلام- هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمة الخالق وعظمته وحبه لمخلوقاته، كان يسأل الناس: أيهما أفضل.. أن ينهزم العقل ويعبد أربابا متفرقين.. أم ينتصر العقل ويعبد رب الكون العظيم؟ وكان يقيم عليهم الحجة بتساؤلاته الهادئة وحواره الذكي وصفاء ذهنه، ونقاء دعوته.

وفي أحد الأيام، قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجهه الخير. إن أول ما قام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علما خاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهما إلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكل هذا برفق ولطف ليدخل إلى النفوس بلا مقاومة.

بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّن لهما أن أحدها سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء. وتروي بعض التفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا، والآخر يسقي الناس، وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.

أوصى يوسف من سينجو منهما أن يذكر حاله عن الملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما ألهته حياة القصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. أراد الله بهذا أن يعلم يوسف -عليه السلام- درسا.

فقد ورد في إحدى الرويات أنه جاءه جبريل قال: يا يوسف من نجّاك من إخوتك؟ قال: الله. قال: من أنقذك من الجب؟ قال: الله. قال: من حررك بعد أن صرت عبدا؟ قال: الله. قال: من عصمك من النساء؟ قال: الله. قال: فعلام تطلب النجاة من غيره؟

وقد يكون هذا الأمر زيادة في كرم الله عليه واصطفاءه له، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد.

المشهد الثاني:

في هذا المشهد تبدأ نقطة التحول.. التحول من محن الشدة إلى محن الرخاء.. من محنة العبودية والرق لمحنة السلطة والملك.

في قصر الحكم.. وفي مجلس الملك: يحكي الملك لحاشيته رؤياه طالبا منهم تفسيرا لها. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) لكن المستشارين والكهنة لم يقوموا بالتفسير. ربما لأنهم لم يعرفوا تفسيرها، أو أنهم أحسوا أنها رؤيا سوء فخشوا أن يفسروها للملك، وأرادوا أن يأتي التفسير من خارج الحاشية -التي تعودت على قول كل ما يسر الملك فقط. وعللوا عدم التفسير بأن قالوا للملك أنها أجزاء من أحلام مختلطة ببعضها البعض، ليست رؤيا كاملة يمكن تأويلها.

المشهد الثالث:

وصل الخبر إلى الساقي -الذي نجا من السجن.. تداعت أفكاره وذكره حلم الملك بحلمه الذي رآه في السجن، وذكره السجن بتأويل يوسف لحلمه. وأسرع إلى الملك وحدثه عن يوسف. قال له: إن يوسف هو الوحيد الذي يستطيع تفسير رؤياك.

وأرسل الملك ساقيه إلى السجن ليسأل يوسف. ويبين لنا الحق سبحانه كيف نقل الساقي رؤيا الملك ليوسف بتعبيرات الملك نفسها، لأنه هنا بصدد تفسير حلم، وهو يريد أن يكون التفسير مطابقا تماما لما رءاه الملك. وكان الساقي يسمي يوسف بالصديق، أي الصادق الكثير الصدق.. وهذا ما جربه من شأنه من قبل.

جاء الوقت واحتاج الملك إلى رأي يوسف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). سُئِلَ يوسف عن تفسير حلم الملك.. فلم يشترط خروجه من السجن مقابل تفسيره. لم يساوم ولم يتردد ولم يقل شيئا غير تفسير الرؤيا.. هكذا ببراءة النبي حين يلجأ إليه الناس فيغيثهم.. وإن كان هؤلاء أنفسهم سجانيه وجلاديه.

لم يقم يسوف -عليه السلام- بالتفسير المباشر المجرد للرؤيا. وإنما قدم مع التفسير النصح وطريقة مواجهة المصاعب التي ستمر بها مصر. أفهم يوسف رسول الملك أن مصر ستمر عليها سبع سنوات مخصبة تجود فيها الأرض بالغلات. وعلى المصريين ألا يسرفوا في هذه السنوات السبع. لأن وراءها سبع سنوات مجدبة ستأكل ما يخزنه المصريون، وأفضل خزن للغلال أن تترك في سنابلها كي لا تفسد أو يصيبها السوس أو يؤثر عليها الجو.

بهذا انتهى حلم الملك.. وزاد يوسف تأويله لحلم الملك بالحديث عن عام لم يحلم به الملك، عام من الرخاء. عام يغاث فيه الناس بالزرع والماء، وتنمو كرومهم فيعصرون خمرا، وينمو سمسمهم وزيتونهم فيعصرون زيتا. كان هذا العام الذي لا يقابله رمز في حلم الملك. علما خاصا أوتيه يوسف. فبشر به الساقي ليبشر به الملك والناس.

المشهد الرابع:

عاد الساقي إلى الملك. أخبره بما قال يوسف، دهش الملك دهشة شديدة. ما هذا السجين..؟ إنه يتنبأ لهم بما سيقع، ويوجههم لعلاجه.. دون أن ينتظر أجرا أو جزاء. أو يشترط خروجا أو مكافأة. فأصدر الملك أمره بإخراج يوسف من السجن وإحضاره فورا إليه. ذهب رسول الملك إلى السجن. ولا نعرف إن كان هو الساقي الذي جاءه أول مرة. أم أنه شخصية رفيعة مكلفة بهذه الشؤون. ذهب إليه في سجنه. رجا منه أن يخرج للقاء الملك.. فهو يطلبه على عجل. رفض يوسف أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأدب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة. ويظهر أثر التربية واضحا في الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقول يوسف فيه للفتى: اذكرني عند ربك، والموقف الذي يقول فيه: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتي قطعن أيدهن، الفارق بين الموقفين كبير.

المشهد الخامس:

تجاوز السياق القرآني عما حدث بين الملك ورسوله، وردة فعل الملك. ليقف بنا أمام المحاكة. وسؤال الملك لنساء الطبقة العليا عما فعلنه مع يوسف. يبدوا أن الملك سأل عن القصة ليكون على بينة من الظروف قبل أن يبدأ التحقيق، لذلك جاء سؤاله دقيقا للنساء. فاعترف النساء بالحقيقة التي يصعب إنكارها (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ).

وهنا تتقدم المرأة المحبة ليوسف، التي يئست منه، ولكنها لا تستطيع أن تخلص من تعلقها به.. تتقدم لتقول كل شيء بصراحة. يصور السياق القرآني لنا اعتراف امرأة العزيز، بألفاظ موحية، تشي بما وراءها من انفعالات ومشاعر عميقة (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) شهادة كاملة بإثمها هي، وبراءته ونظافته وصدقه هو. شهادة لا يدفع إليها خوف أو خشية أو أي اعتبار آخر.. يشي السياق القرآني بحافز أعمق من هذا كله. حرصها على أن يحترمها الرجل الذي أهان كبرياءها الأنثوية، ولم يعبأ بفتنتها الجسدية. ومحاولة يائسة لتصحيح صورتها في ذهنه. لا تريده أن يستمر على تعاليه واحتقاره لها كخاطئة. تريد أن تصحح فكرته عنها: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). لست بهذا السوء الذي يتصوره فيني. ثم تمضي في هذه المحاولة والعودة إلى الفضيلة التي يحبها يوسف ويقدرها (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ). وتمضي خطوة أخرى في هذه المشاعر الطيبة (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).



إن تأمل الآيات يوحي بأن امرأة العزيز قد تحولت إلى دين يوسف. تحولت إلى التوحيد. إن سجن يوسف كان نقلة هائلة في حياتها. آمنت بربه واعتنقت ديانته.

ويصدر الأمر الملكي بالإفراج عنه وإحضاره. يهمل السياق القرآني بعد ذلك قصة امرأة العزيز تماما، يسقطها من المشاهد، فلا نعرف ماذا كان من أمرها بعد شهادتها الجريئة التي أعلنت فيها ضمنا إيمانها بدين يوسف.

وقد لعبت الأساطير دورها في قصة المرأة.. قيل: إن زوجها مات وتزوجت من يوسف، فاكتشف أنها عذراء، واعترفت له أن زوجها كان شيخا لا يقرب النساء.. وقيل: إن بصرها ضاع بسبب استمرارها في البكاء على يوسف، خرجت من قصرها وتاهت في طرقات المدينة، فلما صار يوسف كبيرا للوزراء، ومضى موكبه يوما هتفت به امرأة ضريرة تتكفف الناس: سبحان من جعل الملوك عبيدا بالمعصية، وجعل العبيد ملوكا بالطاعة.

سأل يوسف: صوت من هذا؟ قيل له: امرأة العزيز. انحدر حالها بعد عز. واستدعاها يوسف وسألها: هل تجدين في نفسك من حبك لي شيئا؟

قالت: نظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا يا يوسف.. ناولني نهاية سوطك. فناولها. فوضعته على صدرها، فوجد السوط يهتز في يده اضطرابا وارتعاشا من خفقان قلبها.

وقيلت أساطير أخرى، يبدو فيها أثر المخيلة الشعبية وهي تنسج قمة الدراما بانهيار العاشقة إلى الحضيض.. غير أن السياق القرآني تجاوز تماما نهاية المرأة.

أغفلها من سياق القصة، بعد أن شهدت ليوسف.. وهذا يخدم الغرض الديني في القصة، فالقصة أساسا قصة يوسف وليست قصة المرأة.. وهذا أيضا يخدم الغرض الفني.. لقد ظهرت المرأة ثم اختفت في الوقت المناسب.. اختفت في قمة مأساتها.. وشاب اختفاءها غموض فني معجز.. ولربما بقيت في الذاكرة باختفائها هذا زمنا أطول مما كانت تقضيه لو عرفنا بقية قصتها.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:57

[size=21]ويبدأ فصل جديد من فصول حياة يوسف عليه السلام:

بعد ما رأى الملك من أمر يوسف. براءته، وعلمه، وعدم تهافته على الملك. عرف أنه أمام رجل كريم، فلم يطلبه ليشكره أو يثني عليه، وإنما طلبه ليكون مستشاره. وعندما جلس معه وكلمه، تحقق له صدق ما توسمه فيه. فطمئنه على أنه ذو مكانه وفي أمان عنده. فماذا قال يوسف؟

لم يغرق الملك شكرا، ولم يقل له: عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين، كما يفعل المتملقون للطواغيت؛ كلا إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به من الأعباء في الازمة القادمة.

كما وأورد القرطبي في تفسيره. أن الملك قال فيما قاله: لو جمعت أهل مصر ما أطاقوا هذا الأمر.. ولم يكونوا فيه أمناء.

كان الملك يقصد الطبقة الحاكمة وما حولها من طبقات.. إن العثور على الأمانة في الطبقة المترفة شديد الصعوبة.

اعتراف الملك ليوسف بهذه الحقيقة زاد من عزمه على تولي هذا الامر، لأنقاذ مصر وما حولها من البلاد من هذه المجاعة.. قال يوسف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). لم يكن يوسف في كلمته يقصد النفع أو الاستفادة. على العكس من ذلك. كان يحتمل أمانة إطعام شعوب جائعة لمدة سبع سنوات.. شعوب يمكن أن تمزق حكامها لو جاعت.. كان الموضوع في حقيقته تضحية من يوسف.

لا يثبت السياق القرآني أن الملك وافق.. فكأنما يقول القرآن الكريم إن الطلب تضمن الموافقة.. زيادة في تكريم يوسف، وإظهار مكانته عند الملك.. يكفي أن يقول ليجاب.. بل ليكون قوله هو الجواب، ومن ثم يحذف رد الملك.. ويفهمنا شريط الصور المعروضة أن يوسف قد صار في المكان الذي اقترحه.

وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. صار مسؤولا عن خزائن مصر واقتصادها.. صار كبيرا للوزراء.. وجاء في رواية أن الملك قال ليوسف: يا يوسف ليس لي من الحكم إلا الكرسي.. ولا ينبئنا السياق القرآني كيف تصرف يوسف في مصر.. نعرف أنه حكيم عليم.. نعرف أنه أمين وصادق.. لا خوف إذا على اقتصاد مصر.

المشهد الثاني من هذا الفصل:

دارت عجلة الزمن.. طوى السياق دورتها، ومر مرورا سريعا على سنوات الرخاء، وجاءت سنوات المجاعة.. وهنا يغفل السياق القرآني بعد ذلك ذكر الملك والوزراء في السورة كلها.. كأن الأمر كله قد صار ليوسف. الذي اضطلع بالعبء في الأزمة الخانقة الرهيبة. وأبرز يوسف وحده على مسرح الحوادث, وسلط عليه كل الأضواء.

أما فعل الجدب والمجاعة فقد أبرزه السياق في مشهد إخوة يوسف, يجيئون من البدو من أرض كنعان البعيدة يبحثون عن الطعام في مصر. ومن ذلك ندرك اتساع دائرة المجاعة, كما كيف صارت مصر - بتدبير يوسف - محط أنظار جيرانها ومخزن الطعام في المنطقة كلها.

لقد اجتاح الجدب والمجاعة أرض كنعان وما حولها. فاتجه إخوة يوسف - فيمن يتجهون - إلى مصر. وقد تسامع الناس بما فيها من فائض الغلة منذ السنوات السمان. فدخلوا على عزيز مصر, وهم لا يعلمون أن أخاهم هو العزيز. إنه يعرفهم فهم لم يتغيروا كثيرا. أما يوسف فإن خيالهم لا يتصور قط أنه العزيز! وأين الغلام العبراني الصغير الذي ألقوه في الجب منذ عشرين عاما أو تزيد من عزيز مصر شبه المتوج في سنه وزيه وحرسه ومهابته وخدمه وحشمه وهيله وهيلمانه?

ولم يكشف لهم يوسف عن نفسه. فلا بد من دروس يتلقونها: (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ). ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلا طيبا, ثم أخذ في إعداد الدرس الأول: ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ). فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسون إليه, واستدرجهم حتى ذكروا له من هم على وجه التفصيل, وأن لهم أخا صغيرا من أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم بحاجات الرحلة قال لهم: إنه يريد أن يرى أخاهم هذا. (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ). وقد رأيتم أنني أوفي الكيل للمشترين. فسأوفيكم نصيبكم حين يجيء معكم; ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقى مني الإكرام المعهود: (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ).

ولما كانوا يعلمون كيف يضن أبوهم بأخيهم الأصغر - وبخاصة بعد ذهاب يوسف - فقد أظهروا أن الأمر ليس ميسورا, وإنما في طريقه عقبات من ممانعة أبيهم, وأنهم سيحاولون إقناعه, مع توكيد عزمهم - على الرغم من هذه العقبات - على إحضاره معهم حين يعودون: (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ). ولفظ (نراود) يصور الجهد الذي يعلمون أنهم باذلوه.

أما يوسف فقد أمر غلمانه أن يدسوا البضاعة التي حضر بها إخوته ليستبدلوا بها القمح والعلف. وقد تكون خليطا من نقد ومن غلات صحراوية أخرى من غلات الشجر الصحراوي, ومن الجلود وسواها مما كان يستخدم في التبادل في الأسواق. أمر غلمانه بدسها في رحالهم - والرحل متاع المسافر - لعلهم يعرفون حين يرجعون أنها بضاعتهم التي جاءوا بها.



المشهد الثالث:

ندع يوسف في مصر . لنشهد يعقوب وبنيه في أرض كنعان. رجع الأخوة إلى أبيهم.. وقبل أن ينزلوا أحمال الجمال ويفكوا متاعهم، دخلوا على أبيهم. قائلين له بعتاب: إن لم ترسل معنا أخانا الصغير في المرة القادمة فلن يعطينا عزيز مصر الطعام. وختموا كلامهم بوعد جديد ليعقوب عليه السلام (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). ويبدوا أن هذا الوعد قد أثار كوامن يعقوب. فهو ذاته وعدهم له في يوسف! فإذا هو يجهز بما أثاره الوعد من شجونه:


قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) (يوسف)



وفتح الأبناء أوعيتهم ليخرجوا ما فيها من غلال.. فإذا هم يجدون فيها بضاعتهم التي ذهبوا يشترون بها.. مردودة إليهم مع الغلال والطعام.. ورد الثمن يشير إلى عدم الرغبة في البيع، أو هو إنذار بذلك.. وربما كان إحراجا لهم ليعودوا لسداد الثمن مرة أخرى. وأسرع الأبناء إلى أبيهم (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي) ..لم نكذب عليك.. لقد رد إلينا الثمن الذي ذهبنا نشتري به. هذا معناه أنهم لن يبيعوا لنا إلا إذا ذهب أخونا معنا.

واستمر حوارهم مع الأب.. أفهموه أن حبه لابنه والتصاقه به يفسدان مصالحهم، ويؤثران على اقتصادهم، وهم يريدون أن يتزودوا أكثر، وسوف يحفظون أخاهم أشد الحفظ وأعظمه.. وانتهى الحوار باستسلام الأب لهم.. بشرط أن يعاهدوه على العودة بابنه، إلا إذا خرج الأمر من أيديهم وأحيط بهم.. نصحهم الأب ألا يدخلوا -وهم أحد عشر رجلا- من باب واحد من أبواب بمصر.. كي لا يستلفتوا انتباه أحد.. وربما خشي عليهم أبوهم شيئا كالسرقة أو الحسد.. لا يقول لنا السياق القرآني ماذا كان الأب يخشى، ولو كان الكشف عن السبب مهما لقيل.



المشهد الرابع:

عاد إخوة يوسف الأحد عشر هذه المرة.

وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) (يوسف) يقفز السياق قفزا إلى مشهد يوسف وهو يحتضن أخاه ويكشف له وحده سر قرابته، ولا ريب أن هذا لم يحدث فور دخول الإخوة على يوسف، وإلا لانكشفت لهم قرابة يوسف، إنما وقع هذا في خفاء وتلطف، فلم يشعر إخوته، غير أن السياق المعجز يقفز إلى أول خاطر ساور يوسف عند دخولهم عليه ورؤيته لأخيه.. وهكذا يجعله القرآن أول عمل، لأنه أول خاطر، وهذه من دقائق التعبير في هذا الكتاب العظيم.

يطوي السياق كذلك فترة الضيافة، وما دار فيها بين يوسف وإخوته، ويعرض مشهد الرحيل الأخير.. ها هو ذا يوسف يدبر شيئا لإخوته.. يريد أن يحتفظ بأخيه الصغير معه.

يعلم أن احتفاظه بأخيه سيثير أحزان أبيه، وربما حركت الأحزان الجديدة أحزانه القديمة، وربما ذكره هذا الحادث بفقد يوسف.. يعلم يوسف هذا كله.. وها هو ذا يرى أخاه.. وليس هناك دافع قاهر لاحتفاظه به، لماذا يفعل ما فعل ويحتفظ بأخيه هكذا!؟

يكشف السياق عن السر في ذلك.. إن يوسف يتصرف بوحي من الله.. يريد الله تعالى أن يصل بابتلائه ليعقوب إلى الذروة.. حتى إذا جاوز به منطقة الألم البشري المحتمل وغير المحتمل، ورآه صابرا رد عليه ابنيه معا، ورد إليه بصره.

أمر يوسف -عليه السلام- رجاله أن يخفوا كأس الملك الذهبية في متاع أخيه خلسة.. وكانت الكأس تستخدم كمكيال للغلال.. وكانت لها قيمتها كمعيار في الوزن إلى جوار قيمتها كذهب خالص. أخفى الكأس في متاع أخيه.. وتهيأ إخوة يوسف للرحيل، ومعهم أخوهم.. ثم أغلقت أبواب العاصمة.. (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)..!!

كانت صرخة الجند تعني وقوف القوافل جميعا.. وانطلق الاتهام فوق رؤوس الجميع كقضاء خفي غامض.. أقبل الناس، وأقبل معهم إخوة يوسف..( مَّاذَا تَفْقِدُونَ

هكذا تسائل إخوة يوسف.. قال الجنود: (نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ).. ضاعت كأسه الذهبية.. ولمن يجيء بها مكافأة.. سنعطيه حمل بعير من الغلال.

قال إخوة يوسف ببراءة: لم نأت لنفسد في الأرض ونسرق! قال الحراس (وكان يوسف قد وجههم لما يقولونه): أي جزاء تحبون توقيعه على السارق؟

قال إخوة يوسف: في شريعتنا نعتبر من سرق عبدا لمن سرقه.

قال الحارس: سنطبق عليكم قانونكم الخاص.. لن نطبق عليكم القانون المصري الذي يقضي بسجن السارق.

كانت هذه الإجابة كيدا وتدبيرا من الله تعالى، ألهم يوسف أن يحدث بها ضباطه.. ولولا هذا التدبير الإلهي لامتنع على يوسف أن يأخذ أخاه.. فقد كان دين الملك أو قانونه لا يقضي باسترقاق من سرق. وبدأ التفتيش.

كان هذا الحوار على منظر ومسمع من يوسف، فأمر جنوده بالبدء بتفتيش رحال أخوته أولا قبل تفتيش رحل أخيه الصغير. كي لا يثير شبهة في نتيجة التفتيش.

اطمأن إخوة يوسف إلى براءتهم من السرقة وتنفسوا الصعداء، فلم يبقى إلا أخوهم الصغير. وتم استخراج الكأس من رحله. فأمر يوسف بأخذ أخيه عبدا، قانونهم الذي طبقه القضاء على الحادث.

أعقب ذلك مشهد عنيف المشاعر.. إن إحساس الإخوة براحة الإنقاذ والنجاة من التهمة، جعلهم يستديرون باللوم على شقيق يوسف (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) إنهم يتنصلون من تهمة السرقة.. ويلقونها على هذا الفرع من أبناء يعقوب.

سمع يوسف بأذنيه اتهامهم له، وأحس بحزن عميق.. كتم يوسف أحزانه في نفسه ولم يظهر مشاعره.. قال بينه وبين نفسه(أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ). لم يكن هذا سبابا لهم، بقدر ما كان تقريرا حكيما لقاعدة من قواعد الأمانة. أراد أن يقول بينه وبين نفسه: إنكم بهذا القذف شر مكانا عند الله من المقذوف، لأنكم تقذفون بريئين بتهمة السرقة.. والله أعلم بحقيقة ما تقولون.

سقط الصمت بعد تعليق الإخوة الأخير.. ثم انمحى إحساسهم بالنجاة، وتذكروا يعقوب.. لقد أخذ عليهم عهدا غليظا، ألا يفرطوا في ابنه. وبدءوا استرحام يوسف: يوسف أيها العزيز.. يوسف أيها الملك.. إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

قال يوسف بهدوء: كيف تريدون أن نترك من وجدنا كأس الملك عنده.. ونأخذ بدلا منه أنسانا آخر..؟ هذا ظلم.. ونحن لا نظلم.

كانت هي الكلمة الأخيرة في الموقف. وعرفوا أن لا جدوى بعدها من الرجاء، فانسحبوا يفكرون في موقفهم المحرج أمام أبيهم حين يرجعون.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:58

[size=16]المشهد الخامس:

عقدوا مجلسا يتشاورون فيه. لكن السياق القرآني لا يذكر أقوالهم جميعا. إنما يثبت آخرها الذي يكشف عما انتهوا إليه. ذكر القرآن قول كبيرهم إذ ذكّرهم بالموثق المأخوذ عليهم، كما ذكرهم بتفريطهم في يوسف من قبل. ثم يبين قراره الجازم: ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه، إلا أن يأذن أبوه، أو يقضي الله له بحكم، فيخض له وينصاع. وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم فيخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فَاُخِذَ بما سرق. ذلك ما علموه شهدوا به. أما إن كان بريئا، وكا هناك أمر وراء هذا الظاهر لا يعلمونه، فهم غير موكلين بالغيب. وإن كان في شك من قولهم فليسأل أهل القرية التي كانوا فيها -أي أهل مصر- وليسأل القافلة التي كانوا فيها، فهم لم يكونوا وحدهم، فالقوافل الكثيرة كانت ترد مصر لتأخذ الطعام.

المشهد السادس:

ليعقوب -عليه السلام- ما حدث. استمع يعقوب إليهم وقال بحزن صابر، وعين دامعة: ().

بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) كلمته ذاتها يوم فقد يوسف.. لكنه في هذه المرة يضيف إليها الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيرد ابنه الآخر المتخلف هناك.


(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌوهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع. يحس أنه منفرد بهمه، وحيد بمصابه، لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه، فينفرد في معزل، يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف. الذي لم ينسه، ولم تهوّن من مصيبته السنون، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل. أسلمه البكاء الطويل إلى فقد بصره.. أو ما يشبه فقد بصره. فصارت أمام عينيه غشاوة بسبب البكاء لا يمكن أن يرى بسببها. يعقوب -عليه السلام- يبكي أمام أحد.. كان بكاؤه شكوى إلى الله لا يعلمها إلا الله.

ثم لاحظ أبناؤه أنه لم يعد يبصر ورجحوا أنه يبكي على يوسف، وهاجموه في مشاعره الإنسانية كأب.. حذروه بأنه سيهلك نفسه:



قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) (يوسف)

ردهم جواب يعقوب إلى حقيقة بكائه.. إنه يشكو همه إلى الله.. ويعلم من الله ما لا يعلمون.. فليتركوه في بكائه وليصرفوا همهم لشيء أجدى عليهم (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) إنه يكشف لهم في عمق أحزانه عن أمله في روح الله.. إنه يشعر بأن يوسف لم يمت كما أنبئوه.. لم يزل حيا، فليذهب الإخوة بحثا عنه.. وليكن دليلهم في البحث، هذا الأمل العميق في الله.
المشهد السابع:

تحركت القافلة في طريقها إلى مصر.. إخوة يوسف في طريقهم إلى العزيز.. تدهور حالهم الاقتصادي وحالهم النفسي.. إن فقرهم وحزن أبيهم ومحاصرة المتاعب لهم، قد هدت قواهم تماما.. ها هم أولاء يدخلون على يوسف.. معهم بضاعة رديئة.. جاءوا بثمن لا يتيح لهم شراء شيء ذي بال.. وعندما دخلوا على يوسف - عليه السلام- رجوه أن يتصدق عليهم (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) انتهى الأمر بهم إلى التسول.. إنهم يسألونه أن يتصدق عليهم.. ويستميلون قلبه، بتذكيره أن الله يجزي المتصدقين.

عندئذ.. وسط هوانهم وانحدار حالهم.. حدثهم يوسف بلغتهم، بغير واسطة ولا مترجم:



قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) (يوسف)


يكاد الحوار يتحرك بأدق تعبير عن مشاعرهم الداخلية.. فاجأهم عزيز مصر بسؤالهم عما فعلوه بيوسف.. كان يتحدث بلغتهم فأدركوا أنه يوسف.. وراح الحوار يمضي فيكشف لهم خطيئتهم معه.. لقد كادوا له وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ مرت السنوات، وذهب كيدهم له.. ونفذ تدبير الله المحكم الذي يقع بأعجب الأسباب.. كان إلقاؤه في البئر هو بداية صعوده إلى السلطة والحكم.. وكان إبعادهم له عن أبيه سببا في زيادة حب يعقوب له. وها هو ذا يملك رقابهم وحياتهم، وهم يقفون في موقف استجداء عطفه.. إنهم يختمون حوارهم معه بقولهم (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) إن روح الكلمات واعترافهم بالخطأ يشيان بخوف مبهم غامض يجتاح نفوسهم.. ولعلهم فكروا في انتقامه منهم وارتعدت فرائصهم.. ولعل يوسف أحس ذلك منهم فطمأنهم بقوله (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لا مؤاخذة، ولا لوم، انتهى الأمر من نفسي وذابت جذوره.. لم يقل لهم إنني أسامحكم أو أغفر لكم، إنما دعا الله أن يغفر لهم، وهذا يتضمن أنه عفا عنهم وتجاوز عفوه، ومضى بعد ذلك خطوات.. دعا الله أن يغفر لهم.. وهو نبي ودعوته مستجابة.. وذلك تسامح نراه آية الآيات في التسامح.



ها هو ذا يوسف ينهي حواره معهم بنقلة مفاجئة لأبيه.. يعلم أن أباه قد ابيضت عيناه من الحزن عليه.. يعلم أنه لم يعد يبصر.. لم يدر الحوار حول أبيه لكنه يعلم.. يحس قلبه.. خلع يوسف قميصه وأعطاه لهم (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ). وعادت القافلة إلى فلسطين.

المشهد الثامن:ما أنت خرجت القافلة من مصر، حتى قال يعقوب -عليه السلام- لمن حوله في فلسطين: إني أشم رائحة يوسف، لولا أنكم تقولون في أنفسكم أنني شيخ خرِف لصدقتم ما أقول. فرد عليه من حوله ().

لكن المفاجأة البعيدة تقع. وصلت القافلة، وألقى البشير قميض يوسف على وجه يعقوب -عليهما السلام- فارتدّ بصره. هنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).

فاععترف الأخوة بخطئهم، وطلبوا من أباهم الاستغفار لهم، فهو نبي ودعاءه مستجاب. إلا أن يعقوب عليه السلام (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ونلمح هنا أن في قلب يعقوب شيئا من بنيه، وأنه لم يصف لهم بعد، وإن كان يعدهم باستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكن ويستريح.



ها هو المشهد الأخير في قصة يوسف:

بدأت قصته برؤيا.. وها هو ذا الختام، تأويل رؤياه:

فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) (يوسف) تأمل الآن مشاعره ورؤياه تتحقق.. إنه يدعو ربه (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).. هي دعوة واحدة.. تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 06:59

أيوب عليه السلام




نبذة:


من سلالة سيدنا إبراهيم كان من النبيين الموحى إليهم، كان أيوب ذا مال وأولاد كثيرين ولكن الله ابتلاه في هذا كله فزال عنه، وابتلي في جسده بأنواع البلاء واستمر مرضه 18 عاما اعتزله فيها الناس إلا امرأته صبرت وعملت لكي توفر قوت يومهما حتى عافاه الله من مرضه وأخلفه في كل ما ابتلي فيه، ولذلك يضرب المثل بأيوب في صبره وفي بلائه، روي أن الله يحتج يوم القيامة بأيوب عليه السلام على أهل البلاء.

سيرته:



ضربت الأمثال في صبر هذا النبي العظيم. فكلما ابتلي إنسانا ابتلاء عظيما أوصوه بأن يصبر كصبر أيوب عليه السلام.. وقد أثنى الله تبارك وتعالى على عبده أيوب في محكم كتابه (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) والأوبة هي العودة إلى الله تعالى.. وقد كان أيوب دائم العودة إلى الله بالذكر والشكر والصبر. وكان صبره سبب نجاته وسر ثناء الله عليه. والقرآن يسكت عن نوع مرضه فلا يحدده.. وقد نسجت الأساطير عديدا من الحكايات حول مرضه.. مرض أيوب

كثرت الروايات والأساطير التي نسجت حول مرض أيوب، ودخلت الإسرائيليات في كثير من هذه الروايات. ونذكر هنا أشهرها:

أن أيوب عليه السلام كان ذات مال وولد كثير، ففقد ماله وولده، وابتلي في جسده، فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة, فرفضه القريب والبعيد إلا زوجته ورجلين من إخوانه. وكانت زوجته تخدم الناس بالأجر، لتحضر لأيوب الطعام. ثم إن الناس توقفوا عن استخدامها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته. فلما لم تجد أحداً يستخدمها باعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناساً، فلما كان الغد لم تجد أحداً، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً، قال في دعائه: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين). وحلف أن يضربهامئة سوط إذا شفى. وقيل أن حلفه بضربها كان لأنها أخبرته أنها لقيت طبيبا في الطريق عرض أن يداوي أيوب إذا رضي أن يقول أنت شفيتي بعد علاجه، فعرف أيوب أن هذا الطبيب هو إبليس، فغضب وحلف أن يضربها مئة ضربة.

أما ما كان من أمر صاحبي أيوب، كانا يغدوان إليه ويروحان, فقال أحدهما للآخر: لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء, فذكره الآخر لأيوب, فحزن ودعا الله. ثم خرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه, فأوحى الله إليه أن اركض برجلك, فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا, فجاءت امرأته فلم تعرفه, فسألته عن أيوب فقال: إني أنا هو, وكان له أندران: أحدهما: للقمح والآخر: للشعير, فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض, وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض.

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال: "بينما ‏‏أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا ‏‏ أيوب ‏ ‏ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك" (رجل جراد ‏أي جماعة جراد).

فلما عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ (عود دقيق) فيضربها ضربة واحدة لكي لا يحنث في قسمه وبذلك يكون قد بر في قسمه. ثم جزى الله -عز وجل- أيوب -عليه السلام- على صبره بأن آتاه أهله (فقيل: أحياهم الله بأعيانهم. وقيل: آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة) وذكر بعض العلماء أن الله رد على امرأته شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا.

هذه أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره.. ولم يذكر فيها أي شيء عن تساقط لحمه، وأنه لم يبقى منه إلا العظم والعصب. فإننا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول أساطير القدماء.. نستبعد ذلك لتنافيه مع منصب النبوة..

ويجدر التنبيه بأن دعاء أيوب ربه (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ). قد يكون القصد منه شكوى أيوب -عليه السلام- لربه جرأة الشيطان عليه وتصوره أنه يستطيع أن يغويه. ولا يعتقد أيوب أن ما به من مرض قد جاء بسبب الشيطان. هذا هو الفهم الذي يليق بعصمة الأنبياء وكمالهم.

وروى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين , والله أعلم. وأنه أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 07:00

يونس عليه السلام

نبذة:


أرسله الله إلى قوم نينوى فدعاهم إلى عبادة الله وحده ولكنهم أبوا واستكبروا فتركهم وتوعدهم بالعذاب بعد ثلاث ليال فخشوا على أنفسهم فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب، أما يونس فخرج في سفينة وكانوا على وشك الغرق فاقترعوا لكي يحددوا من سيلقى من الرجال فوقع ثلاثا على يونس فرمى نفسه في البحر فالتقمه الحوت وأوحى الله إليه أن لا يأكله فدعا يونس ربه أن يخرجه من الظلمات فاستجاب الله له وبعثه إلى مائة ألف أو يزيدون

سيرته:



كان يونس بن متى نبيا كريما أرسله الله إلى قومه فراح يعظهم، وينصحهم، ويرشدهم إلى الخير، ويذكرهم بيوم القيامة، ويخوفهم من النار، ويحببهم إلى الجنة، ويأمرهم بالمعروف، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده. وظل ذو النون -يونس عليه السلام- ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد. وجاء يوم عليه فأحس باليأس من قومه.. وامتلأ قلبه بالغضب عليهم لأنهم لا يؤمنون، وخرج غاضبا وقرر هجرهم ووعدهم بحلول العذاب بهم بعد ثلاثة أيام. ولا يذكر القرآن أين كان قوم يونس. ولكن المفهوم أنهم كانوا في بقعة قريبة من البحر. وقال أهل التفسير: بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل (نينوى) من أرض الموصل. فقاده الغضب إلى شاطىء البحر حيث ركب سفينة مشحونة. ولم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم. فلما خرج من قريته، وتأكد أهل القرية من نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم وصرخوا وتضرعوا إلى الله عز وجل، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات. وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون. وقد آمنوا أجمعين. فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذي استحقوه بتكذيبهم.

أمر السفينة:

أما السفينة التي ركبها يونس، فقد هاج بها البحر، وارتفع من حولها الموج. وكان هذا علامة عند القوم بأن من بين الركاب راكباً مغضوباً عليه لأنه ارتكب خطيئة. وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق. فاقترعوا على من يلقونه من السفينة . فخرج سهم يونس -وكان معروفاً عندهم بالصلاح- فأعادوا القرعة، فخرج سهمه ثانية، فأعادواها ثالثة، ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فألقوه في البحر -أو ألقى هو نفسه. فالتقمه الحوت لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها, وترك قومه مغاضباً قبل أن يأذن الله له. وأحى الله للحوت أن لا يخدش ليونس لحما ولا يكسر له عظما. واختلف المفسرون في مدة بقاء يونس في بطن الحوت، فمنهم من قال أن الحوت التقمه عند الضحى، وأخرجه عند العشاء. ومنهم من قال انه لبث في بطنه ثلاثة أيام، ومنهم من قال سبعة.

يونس في بطن الحوت:

عندما أحس بالضيق في بطن الحوت، في الظلمات -ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل- سبح الله واستغفره وذكر أنه كان من الظالمين. وقال: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فسمع الله دعاءه واستجاب له. فلفظه الحوت. (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون). وقد خرج من بطن الحوت سقيماً عارياً على الشاطىء. وأنبت الله عليه شجرة القرع. قال بعض العلماء في إنبات القرع عليه حِكَم جمة. منها أن ورقه في غاية النعومة وكثير وظليل ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نياً ومطبوخاً، وبقشره وببزره أيضاً. وكان هذا من تدبير الله ولطفه. وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك. فلما استكمل عافيته رده الله إلى قومه الذين تركهم مغاضباً.

‏فضل يونس عليه السلام:

لقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل يونس عليه السلام، منها قول النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم: "‏لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من ‏‏ يونس بن متى" وقوله عليه الصلاة والسلام: "من قال أنا خير من ‏‏ يونس بن متى ‏ ‏فقد كذب".



ذنب يونس عليه السلام:

نريد الآن أن ننظر فيما يسميه العلماء ذنب يونس. هل ارتكب يونس ذنبا بالمعنى الحقيقي للذنب؟ وهل يذنب الأنبياء. الجواب أن الأنبياء معصومون.. غير أن هذه العصمة لا تعني أنهم لا يرتكبون أشياء هي عند الله أمور تستوجب العتاب. المسألة نسبية إذن. يقول العارفون بالله: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين.. وهذا صحيح. فلننظر إلى فرار يونس من قريته الجاحدة المعاندة. لو صدر هذا التصرف من أي إنسان صالح غير يونس.. لكان ذلك منه حسنة يثاب عليها. فهو قد فر بدينه من قوم مجرمين.

ولكن يونس نبي أرسله الله إليهم.. والمفروض أن يبلغ عن الله ولا يعبأ بنهاية التبليغ أو ينتظر نتائج الدعوة.. ليس عليه إلا البلاغ.

خروجه من القرية إذن.. في ميزان الأنبياء.. أمر يستوجب تعليم الله تعالى له وعقابه.

إن الله يلقن يونس درسا في الدعوة إليه، ليدعو النبي إلى الله فقط. هذه حدود مهمته وليس عليه أن يتجاوزها ببصره أو قلبه ثم يحزن لأن قومه لا يؤمنون.

ولقد خرج يونس بغير إذن فانظر ماذا وقع لقومه. لقد آمنوا به بعد خروجه.. ولو أنه مكث فيهم لأدرك ذلك وعرفه واطمأن قلبه وذهب غضبه.. غير أنه كان متسرعا.. وليس تسرعه هذا سوى فيض في رغبته أن يؤمن الناس، وإنما اندفع إلى الخروج كراهية لهم لعدم إيمانهم.. فعاقبه الله وعلمه أن على النبي أن يدعو لله فحسب. والله يهدي من يشاء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-21, 07:02

شعيب عليه السلام


نبذة:

أرسل شعيب إلى قوم مدين وكانوا يعبدون الأيكة وكانوا ينقصون المكيال والميزان ولا يعطون الناس حقهم فدعاهم إلى عبادة الله وأن يتعاملوا بالعدل ولكنهم أبوا واستكبروا واستمروا في عنادهم وتوعدوه بالرجم والطرد وطالبوه بأن ينزل عليهم كسفا من السماء فجاءت الصيحة وقضت عليهم جميعا.

سيرته:

دعوة شعيب عليه السلام:

لقد برز في قصة شعيب أن الدين ليس قضية توحيد وألوهية فقط، بل إنه كذلك أسلوب لحياة الناس.. أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل مدين. فقال شعيب (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُه) نفس الدعوة التي يدعوها كل نبي.. لا تختلف من نبي إلى آخر.. لا تتبدل ولا تتردد. هي أساس العقيدة.. وبغير هذه الأساس يستحيل أن ينهض بناء.

بعد تبيين هذا الأساس.. بدأ شعيب في توضيح الأمور الاخرى التي جاءت بها دعوته (وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ) بعد قضية التوحيد مباشرة.. ينتقل النبي إلى قضية المعاملات اليومية.. قضية الأمانة والعدالة.. كان أهل مدين ينقصون المكيال والميزان، ولا يعطون الناس حقهم.. وهي رذيلة تمس نظافة القلب واليد.. كما تمس كمال المروءة والشرف، وكان أهل مدين يعتبرون بخس الناس أشياءهم.. نوعا من أنواع المهارة في البيع والشراء.. ودهاء في الأخذ والعطاء.. ثم جاء نبيهم وأفهمهم أن هذه دناءة وسرقة.. أفهمهم أنه يخاف عليهم بسببها من عذاب يوم محيط.. انظر إلى تدخل الإسلام الذي بعث به شعيب في حياة الناس، إلى الحد الذي يرقب فيه عملية البيع والشراء. قال: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) لم يزل شعيب ماضيا في دعوته.. ها هو ذا يكرر نصحه لهم بصورة إيجابية بعد صورة النهي السلبية..إنه يوصيهم أن يوفوا المكيال والميزان بالقسط.. بالعدل والحق.. وهو يحذرهم أن يبخسوا الناس أشيائهم.

لنتدبر معا في التعبير القرآني القائل: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) كلمة الشيء تطلق على الأشياء المادية والمعنوية.. أي أنها ليست مقصورة على البيع والشراء فقط، بل تدخل فيها الأعمال، أو التصرفات الشخصية. ويعني النص تحريم الظلم، سواء كان ظلما في وزن الفاكهة أو الخضراوات، أو ظلما في تقييم مجهود الناس وأعمالهم.. ذلك أن ظلم الناس يشيع في جو الحياة مشاعر من الألم واليأس واللامبالاة، وتكون النتيجة أن ينهزم الناس من الداخل، وتنهار علاقات العمل، وتلحقها القيم.. ويشيع الاضطراب في الحياة.. ولذلك يستكمل النص تحذيره من الإفساد في الأرض: (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) العثو هو تعمد الإفساد والقصد إليه فلا تفسدوا في الأرض متعمدين قاصدين (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ).. ما عند الله خير لكم.. (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

بعدها يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه.. ينحي نفسه ويفهمهم أنه لا يملك لهم شيئا.. ليس موكلا عليهم ولا حفيظا عليهم ولا حارسا لهم.. إنما هو رسول يبلغهم رسالات ربه: (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) بهذا الأسلوب يشعر شعيب قومه بأن الأمر جد، وخطير، وثقيل.. إذ بين لهم عاقبة إفسادهم وتركهم أمام العاقبة وحدهم.



رد قوم شعيب:

كان هو الذي يتكلم.. وكان قومه يستمعون.. توقف هو عن الكلام وتحدث قومه: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) كان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة.. وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.. وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما، ويأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.. انظر بعد هذا كله إلى حوارهم مع شعيب: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)... ؟

بهذا التهكم الخفيف والسخرية المندهشة.. واستهوال الأمر.. لقد تجرأت صلاة شعيب وجنت وأمرته أن يأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم.. ولقد كان آباؤهم يعبدون الأشجار والنباتات.. وصلاة شعيب تأمرهم أن يعبدوا الله وحده.. أي جرأة من شعيب..؟ أو فلنقل أي جرأة من صلاة شعيب..؟ بهذا المنطق الساخر الهازئ وجه قوم شعيب خطابهم إلى نبيهم.. ثم عادوا يتساءلون بدهشة ساخرة: (أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء) تخيل يا شعيب أن صلاتك تتدخل في إرادتنا، وطريقة تصرفنا في أموالنا.. ما هي علاقة الإيمان والصلاة بالمعاملات المادية؟ بهذا التساؤل الذي ظنه قوم شعيب قمة في الذكاء.. طرحوا أمامه قضية الإيمان، وأنكروا أن تكون لها علاقة بسلوك الناس وتعاملهم واقتصادهم. هذه المحاولة للتفريق بين الحياة الاقتصادية والإسلام، وقد بعث به كل الأنبياء، وإن اختلفت أسماؤه.. هذه المحاولة قديمة من عمر قوم شعيب. لقد أنكروا أن يتدخل الدين في حياتهم اليومية، وسلوكهم واقتصادهم وطريقة إنفاقهم لأموالهم بحرية.. إن حرية إنفاق المال أو إهلاكه أو التصرف فيه شيء لا علاقة له بالدين.. هذه حرية الإنسان الشخصية.. وهذا ماله الخاص، ما الذي أقحم الدين على هذا وذاك؟.. هذا هو فهم قوم شعيب للإسلام الذي جاء به شعيب، وهو لا يختلف كثيرا أو قليلا عن فهم عديد من الأقوام في زماننا الذي نعيش فيه. ما للإسلام وسلوك الإنسان الشخصي وحياتهم الاقتصادية وأسلوب الإنتاج وطرق التوزيع وتصرف الناس في أموالهم كما يشاءون..؟ ما للإسلام وحياتنا اليومية..؟

ثم يعودون إلى السخرية منه والاستهزاء بدعوته (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي لو كنت حليما رشيدا لما قلت ما تقول.



أدرك شعيب أن قومه يسخرون منه لاستبعادهم تدخل الدين في الحياة اليومية.. ولذلك تلطف معهم تلطف صاحب الدعوة الواثق من الحق الذي معه، وتجاوز سخريتهم لا يباليها، ولا يتوقف عندها، ولا يناقشها.. تجاوز السخرية إلى الجد.. أفهمهم أنه على بينة من ربه.. إنه نبي يعلم وهو لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه، إنه لا ينهاهم عن شيء ليحقق لنفسه نفعا منه، إنه لا ينصحهم بالأمانة ليخلوا له السوق فيستفيد من التلاعب.. إنه لا يفعل شيئا من ذلك.. إنما هو نبي.. وها هو ذا يلخص لهم كل دعوات الأنبياء هذا التلخيص المعجز: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) إن ما يريده هو الإصلاح.. هذه هي دعوات الأنبياء في مضمونها الحقيقي وعمقها البعيد.. إنهم مصلحون أساسا، مصلحون للعقول، والقلوب، والحياة العامة، والحياة الخاصة.

بعد أن بين شعيب عليه السلام لقومه أساس دعوته، وما يجب عليهم الالتزام به، ورأى منهم الاستكبار، حاول إيقاض مشاعرهم بتذكيرهم بمصير من قبلهم من الأمم، وكيف دمرهم الله بأمر منه. فذكرهم قوم
نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط. وأراهم أن سبيل النجاة هو العودة لله تائبين مستغفرين، فالمولى غفور رحيم. تحدي وتهديد القوم لشعيب:

لكن قوم شعيب أعرضوا عنه قائلين: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) إنه ضعيف بمقياسهم. ضعيف لأن الفقراء والمساكيهم فقط اتبعوه، أما علية القوم فاستكبروا وأصروا على طغيانهم. إنه مقياس بشري خاطئ، فالقوة بيد الله، والله مع أنبياءه. ويستمر الكفرة في تهديهم قائلين: (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) لولا أهلك وقومك ومن يتبعك لحفرنا لك حفرة وقتلناك ضربا بالحجارة.



نرى أنه عندما أقام شعيب -عليه السلام- الحجة على قومه، غيروا أسلوبهم، فتحولوا من السخرية إلى التهديد. وأظهروا حقيقة كرههم له. لكن شعيب تلطف معهم.. تجاوز عن إساءتهم إليه وسألهم سؤالا كان هدفه إيقاظ عقولهم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ) يا لسذاجة هؤلاء. إنهم يسيئون تقدير حقيقة القوى التي تتحكم في الوجود.. إن الله هو وحده العزيز.. والمفروض أن يدركوا ذلك.. المفروض ألا يقيم الإنسان وزنا في الوجود لغير الله.. ولا يخشى في الوجود غير الله.. ولا يعمل حسابا في الوجود لقوة غير الله .. إن الله هو القاهر فوق عباده.

ويبدو أن قوم شعيب ضاقوا ذرعا بشعيب. فاجتمع رؤساء قومه. ودخلوا مرحلة جديدة من التهديد.. هددوه أولا بالقتل، وها هم أولاء يهددونه بالطرد من قريتهم.. خيروه بين التشريد، والعودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد الأشجار والجمادات.. وأفهمهم شعيب أن مسألة عودته في ملتهم مسألة لا يمكن حتى التفكير بها فكيف بهم يسألونه تنفيذها. لقد نجاه الله من ملتهم، فكيف يعود إليها؟ أنه هو الذي يدعوهم إلى ملة التوحيد.. فكيف يدعونه إلى الشرك والكفر؟ ثم أين تكافؤ الفرص؟ أنه يدعوهم برفق ولين وحب.. وهم يهددونه بالقوة. واستمر الصراع بين قوم شعيب ونبيهم.. حمل الدعوة ضده الرؤساء والكبراء والحكام.. وبدا واضحا أن لا أمل فيهم.. لقد أعرضوا عن الله.. أداروا ظهورهم لله. فنفض شعيب يديه منهم. لقد هجروا الله، وكذبوا نبيه، واتهموه بأنه مسحور وكاذب.. فليعمل كل واحد.. ولينتظروا جميعا أمر الله.

هلاك قوم شعيب:

وانتقل الصراع إلى تحد من لون جديد. راحوا يطالبونه بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين.. راحوا يسألونه عن عذاب الله.. أين هو..؟ وكيف هو..؟ ولماذا تأخر..؟ سخروا منه.. وانتظر شعيب أمر الله.

أوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية.. وخرج شعيب.. وجاء أمره تعالى:



وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (94) (هود) هي صيحة واحدة.. صوت جاءهم من غمامة أظلتهم.. ولعلهم فرحوا بما تصوروا أنها تحمله من المطر.. ثم فوجئوا أنهم أمام عذاب عظيم ليوم عظيم.. انتهى الأمر. أدركتهم صيحة جبارة جعلت كل واحد فيهم يجثم على وجهه في مكانه الذي كان فيه في داره.. صعقت الصيحة كل مخلوق حي.. لم يستطع أن يتحرك أو يجري أو يختبئ أو ينقذ نفسه.. جثم في مكانه مصروعا بصيحة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
بنت الاكـ!بر
نائب المدير العام
نائب المدير العام
بنت الاكـ!بر


انثى عدد الرسائل : 1561
العمل/الترفيه : طـآآلبه حـآآلهآآ حل الطآلباتٌ
المزاج : • مزآج لا آستحقـﮧ آلآ آنآ .! •~
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 06/03/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-31, 05:55

Smile
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.wowfun.net/forum/member.php?u=5222
شروق
ألادرة
ألادرة
شروق


انثى عدد الرسائل : 6336
العمر : 35
الموقع : https://amasy.yoo7.com
العمل/الترفيه : القراءة
المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك
اعلام الدول : قصص الانبياء ....... Sudan110
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصص الانبياء ....... Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الانبياء .......   قصص الانبياء ....... Empty2008-03-31, 12:37

alien
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amasy.yoo7.com
 
قصص الانبياء .......
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الركن الإسلامي :: &* *& سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم &* *&-
انتقل الى: