تثار بين آونة وأخرى مشكلة جرائم الشرف ، باعتبارها حكرا على المجتمع العربي وتعبيرا عن قيم الإسلام.. وفي الأردن التي تودي جرائم الشرف – على سبيل المثال لا الحصر – بحياة عشرات النساء سنويا، سبق أن قامت مظاهرات عديدة مطالبة بتعديل نصوص القانون المتعلق بجرائم الشرف، فيما اعتبرت منظمات حقوق الإنسان أن هذا الموضوع واحد من القضايا الهامة التي يجب إثارتها ووضع ضوابط لها.والواقع أن جرائم الشرف يصح فيها ما قرأته في تحقيق صحفي ذات مرة.. من حيث أنها ( قتل غسلا للعار) ومن حيث التساؤلات التي تطرح حولها باعتبارها ( بدعة أم مرض أم حق.. ام واجب شرعي ) وما يستتبع ذلك كله من تداعيات تمس الحياة الاجتماعية والقانونية في أكثر من بلد عربي.. ومدى علاقة هذه القضية من حيث سندها الشرعي بالدين الإسلامي الحنيف من جهة وبالتشريعات القانونية الموضوعة من جهة أخرى!
وفي الوقت الذي يروج بعضهم إلى أن جرائم الشرف لها صلة بالدين، وبالقيود والحدود التي يضعها على المرأة، يوضح الشيخ محمد هويدي في تحقيق صحفي ، أن الإسلام جعل إثبات الزنا مسألة معقدة إن لم تكن مستحيلة، ويقول في هذا السياق موضحا:
( الإسلام يتشدد في المسائل المتعلقة بهدر دم الإنسان، وفي قضية مثل الزنى التي يدور موضوع جرائم الشرف حولها، الإسلام يشترط أربعة شهود ووضع شروطا تعجيزية لحكمة بليغة حتى لا يبيح القتل لمجرد الوشاية أو الشك أو فورة غضب. ويشترط أن يجمع الشهود الربعة على رؤيتهم للميل في المكحلة بأم أعينهم، ويقسمون على ذلك.. وهذا أمر صعب بل مستحيل. والقصد من ذلك منع وقوع مثل جرائم العرض هذه وأيضا الستر على الناس وعلى الأسرة والحفاظ عليها.. فإذا شهد ثلاثة فقط، ولم يتوفر شاهد رابع فإن شهادتهم لا تقبل ووجب على الشهود الجلد. ) .
والغريب أن معظم المواد القانونية التي تتساهل مع جرائم الشرف، مأخوذة من القانون المصري، المأخوذ أساسا عن القانون الفرنسي.. ومع ذلك فإن هناك من لا يزال مصرا على أن يربط جرائم الشرف بالدين الإسلامي الذي هو منها براء، إما إصرارا على تعمية الحقائق، أو جهلا بتعاليم الدين الحنيف..
ولعل الجهل بتعاليم الدين هو ما يدفع الكثير من المثقفين العرب التقدميين، لإطلاق الأحكام التي تقييم وتحلل وتنظر من دون أية معرفة علمية بأصول الدين الإسلامي.. ولو من قبيل العلم بالشيء على الأقل في حين يتبجح الكثير منهم بمعرفته بخفايا فنون اليوغا، وطقوس عبادة الهندوس!
وقصارى القول.. جرائم الشرف ككثير من الممارسات المتخلفة، هي نتاج نمط من العادات والتقاليد الاجتماعية البالية، التي تقوم على مبدأ الأخذ بالشبهة، والخوف من كلام الناس، والحرص على السمعة دون سند عقلاني.. سوى تلك العقلية العصبية المتهورة التي أحكامها على الشك والظنون، وتركب رياح الغضب .. لتجردنا من كل مزايا العقل السليم الذي يبدع الحياة المستقرة المزدهرة التي لا نزال نفتقدها في مجتمعاتنا ونحلم بها في مناماتنا!