أقوال المفسرين:
في تفسير قوله تعالي: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ}.... (الرحمن:33 ـ 35)...
ذكر ابن كثير (يرحمه الله): أي لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره، بل هو محيط بكم لا تقدرون علي التخلص من حكمه، أينما ذهبتم أحيط بكم.... (إلا بسلطان) أي إلا بأمر الله....
ولهذا قال تعالي: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ} قال ابن عباس: الشواظ هو لهب النار، وعنه: الشواظ الدخان، وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع، وقال الضحاك: (شواظ من نار) سيل من نار، وقوله تعالي: (ونحاس) قال ابن عباس: دخان النار، وقال ابن جرير: والعرب تسمي الدخان نحاسا، روي الطبراني عن الضحاك أن نافع ابن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال: هو اللهب الذي لا دخان معه... قال: صدقت، فما النحاس؟ قال: هو الدخان الذي لا لهب له وقال مجاهد: النحاس الصفر....
وجاء في تفسير الجلالين ما نصه: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} تخرجوا (من أقطار) نواحي (السماوات والأرض) (هاربين من الحشر والحساب والجزاء) (فانفذوا) أمر تعجيز (أي: فلن تستطيعوا ذلك) {لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} بقوة، ولا قوة لكم علي ذلك... {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} هو لهبها الخالص من الدخان أو: معه (ونحاس) أي: دخان لا لهب فيه (أو هو النحاس المذاب....).
وجاء في الظلال ما نصه: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا... وكيف؟ وأين؟ لا تنفذون إلا بسلطان، ولا يملك السلطان إلا صاحب السلطان.. ومرة أخري يواجههما بالسؤال: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}؟ وهل بقي في كيانهما شئ يكذب أو يهم بمجرد النطق والبيان؟
ولكن الحملة الساحقة تستمر إلي نهايتها، والتهديد الرعيب يلاحقهما، والمصير المردي يتمثل لهما: يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران..
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه:..... {لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} أي لا تقدرون علي الخروج من أمري وقضائي إلا بقوة قهر وأنتم بمعزل عن ذلك، {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} يصب عليكما {شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} لهب خالص من الدخان (ونحاس) أصفر مذاب، وقيل النحاس: الدخان الذي لا لهب فيه. أي إنه يرسل عليهما هذا مرة وهذا مرة.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هاربين فاخرجوا، لا تستطيعون الخروج إلا بقوة وقهر، ولن يكون لكم ذلك، فبأي نعمة من نعم ربكما تجحدان؟! يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب، فلا تقدران علي رفع هذا العذاب.
وجاء في تعليق هامشي ما يلي: ثبت حتى الآن ضخامة المجهودات والطاقات المطلوبة للنفاذ من نطاق جاذبية الأرض، وحيث اقتضي النجاح الجزئي في ريادة الفضاء ـ لمدة محددة جدا بالنسبة لعظم الكون ــ بذل الكثير من الجهود العلمية الضخمة في شتي الميادين... فضلا عن التكاليف المادية الخيالية التي أنفقت في ذلك ومازالت تنفق، ويدل ذلك دلالة قاطعة علي أن النفاذ المطلق من أقطار السماوات والأرض التي تبلغ ملايين السنين الضوئية لإنس أو جن مستحيل.
والنحاس هو فلز يعتبر من أول العناصر الفلزية التي عرفها الإنسان.. ويتميز بأن درجة انصهاره مرتفعة جدا نحو 1083 درجة مئوية) فإذا ما صب هذا السائل الملتهب علي جسد، مثل ذلك صنفا من أقسي أنواع العذاب ألما وأشدها أثرا.
الدلالة العلمية
لقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ}... (الرحمن:33 ـ 35)
هذه الآيات الثلاث التي تحدي القرآن الكريم فيها كلا من الجن والإنسن تحديا صريحا بعجزهم عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض، وهو تحد يظهر ضآلة قدراتهما مجتمعين أمام طلاقة القدرة الإلهية في إبداع الكون، لضخامة أبعاده، ولقصر عمر المخلوقات، وحتمية فنائها، والآيات بالإضافة إلي ذلك تحوي عددا من الحقائق الكونية المبهرة التي لم يستطع الإنسان إدراكها إلا في العقود القليلة المتأخرة من القرن العشرين، والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولا: بالنسبة للنفاذ من أقطار الأرض:
إذا كان المقصود من هذه الآيات الكريمة إشعار كل من الجن والإنس بعجزهما عن النفاذ من أقطار كل من الأرض علي حدة، والسماوات علي حدة، فإن المعارف الحديثة تؤكد ذلك، لأن أقطار الأرض تتراوح بين (12756) كيلو مترا بالنسبة إلي متوسط قطرها الاستوائي، (12713) كيلو مترا بالنسبة إلي متوسط قطرها القطبي، وذلك لأن الأرض ليست تامة الاستدارة لانبعاجها قليلا عند خط الاستواء، وتفلطحها قليلا عند القطبين.
ويستحيل علي الإنسان اختراق الأرض من أقطارها لارتفاع كل من الضغط والحرارة باستمرار في اتجاه المركز مما لا تطيقه القدرة البشرية، ولا التقنيات المتقدمة التي حققها إنسان هذا العصر.
فعلي الرغم من التطور المذهل في تقنيات حفر الآبار العميقة التي طورها الإنسان بحثا عن النفط والغاز الطبيعي فإن هذه الأجهزة العملاقة لم تستطع حتى اليوم تجاوز عمق 14 كيلو مترا من الغلاف الصخري للأرض، وهذا يمثل 2.0% تقريبا من طول نصف قطر الأرض الاستوائي.
وعند هذا العمق تعجز أدوات الحفر عن الاستمرار في عملها لتزايد الضغط وللارتفاع الكبير في درجات الحرارة إلي درجة قد تؤدي إلي صهر تلك الأدوات، فمن الثابت علميا أن درجة الحرارة تزداد باستمرار من سطح الأرض في اتجاه مركزها حتى تصل إلي ما يقرب من درجة حرارة سطح الشمس المقدرة بستة آلاف درجة مئوية حسب بعض التقديرات.
ومن هنا كان عجز الإنسان عن الوصول إلي تلك المناطق الفائقة الحرارة والضغط، وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ مخاطبا الإنسان: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}.... (الإسراء:37).
ولو أن الجن عالم غيبي بالنسبة لنا، إلا أن ما ينطبق علي الإنس من عجز تام عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض ينطبق عليهم.
والآيات الكريمة قد جاءت في مقام التشبيه بأن كلا من الجن والإنس لا يستطيع الهروب من قدر الله أو الفرار من قضائه، بالهروب إلي خارج الكون عبر أقطار السماوات والأرض حيث لا يدري أحد ماذا بعد ذلك، إلا أن العلوم المكتسبة قد أثبتت بالفعل عجز الإنسان عجزا كاملا عن ذلك.
والقرآن الكريم يؤكد لنا اعتراف الجن بعجزهم الكامل عن ذلك أيضا، كما جاء في قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ علي لسان الجن: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا}... (الجن: 12) وذلك بعد أن قالوا: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}... (الجن: 8).
ثانيا: بالنسبة للنفاذ من أقطار السماوات
تبلغ أبعاد الجزء المدرك من السماء الدنيا من الضخامة ما لا يمكن أن تطويها قدرات كل من الإنس والجن، مما يشعر كلا منهما بضآلته أمام أبعاد الكون، وبعجزه التام عن مجرد التفكير في الهروب منه... أو النفاذ إلي المجهول من بعده...!!!
فمجرتنا (سكة التبانة) يقدر قطرها الأكبر بمائة ألف سنة ضوئية (100.000*9.5 مليون مليون كيلو متر تقريبا)، ويقدر قطرها الأصغر بعشرة آلاف سنة ضوئية (10.000*9.5 مليون مليون كيلو متر تقريبا)...
ومعني ذلك أن الإنسان لكي يتمكن من الخروج من مجرتنا عبر قطرها الأصغر يحتاج إلي وسيلة تحركه بسرعة الضوء (وهذا مستحيل) ليستخدمها في حركة مستمرة لمدة تصل إلي عشرة آلاف سنة من سنيننا.
وبطاقة انفلات خيالية لتخرجه من نطاق جاذبية الأجرام التي يمر بها من مكونات تلك المجرة، وهذه كلها من المستحيلات بالنسبة للإنسان الذي لا يتجاوز عمره في المتوسط خمسين سنة، ولم تتجاوز حركته في السماء ثانية ضوئية واحدة وربع الثانية فقط، وهي المسافة بين الأرض والقمر، علي الرغم من التقدم التقني المذهل الذي حققه في ريادة السماء.
ومجموعتنا الشمسية تقع من مجرتنا علي بعد ثلاثين ألفا من السنين الضوئية من مركزها، وعشرين ألفا من السنين الضوئية من أقرب أطرافها.
فإذا حاول الإنسان الخروج من أقرب الأقطار إلي الأرض فإنه يحتاج إلي عشرين ألف سنة وهو يتحرك بسرعة الضوء لكي يخرج من أقطار مجرتنا وهل يطيق الإنسان ذلك؟ أو هل يمكن أن يحيا إنسان لمثل تلك المدد المتطاولة؟ وهل يستطيع الإنسان أن يتحرك بسرعة الضوء؟
كل هذه حواجز تحول دون إمكان ذلك بالنسبة للإنسان، وما ينطبق عليه ينطبق علي عالم الجان...!!!
ومجرتنا جزء من مجموعة من المجرات تعرف باسم المجموعة المحلية يقدر قطرها بنحو ثلاثة ملايين وربع المليون من السنين الضوئية (3.261.500) سنة ضوئية، وهذه بدورها تشكل جزءا من حشد مجري يقدر قطره بأكثر من ستة ملايين ونصف المليون من السنين الضوئية (6.523.000) سنة ضوئية، وهذا الحشد المجري يكون جزءا من الحشد المجري الأعظم ويقدر قطره الأكبر بمائة مليون من السنين الضوئية وسمكه بعشرة ملايين من السنين الضوئية.
وتبدو الحشود المجرية العظمي علي هيئة كروية تدرس في شرائح مقطعية تقدر أبعادها في حدود150*100*15 سنة ضوئية، وأكبر تلك الشرائح ويسميها الفلكيون مجازا باسم الحائط العظيم يزيد طولها علي مائتين وخمسين مليونا من السنين الضوئية.
وقد تم أخيرا اكتشاف نحو مائة من الحشود المجرية العظمي تكون تجمعا أعظم علي هيئة قرص يبلغ قطره الأكبر بليونين من السنين الضوئية.
والجزء المدرك من الكون وهو يمثل جزءا يسيرا من السماء الدنيا التي زينها ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بالنجوم وقال (عز من قائل): {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}... (الملك: 5).
هذا الجزء المدرك من السماء الدنيا يزيد قطره علي العشرين بليون سنة ضوئية، وهي حقائق تجعل الإنسان بكل إنجازاته العلمية يتضاءل تضاؤلا شديدا أمام أبعاد الكون المذهلة، وكذلك الجان، وكلاهما أقل من مجرد التفكير في إمكان الهروب من ملك الله الذي لا ملجأ ولا منجي منه إلا إليه...!!!
ثالثا: بالنسبة للنفاذ من أقطار السماوات والأرض معا
تشير الآيات الكريمة إلي أن التحدي الذي تجابه به الجن والإنس هو النفاذ من أقطار السماوات والأرض معا إن استطاعوا، وثبت عجزهما عن النفاذ من أقطار أي منهما، وعجزهما أشد إذا كانت المطالبة بالنفاذ من أقطارهما معا..
إذا كان هذا هو مقصود الآيات الكريمة، فإنه يمكن أن يشير إلي معني في غاية الأهمية ألا وهو توسط الأرض للكون وهو معنى لا تستطيع علوم الفلك إثباته لعجز الإنسان عن الإحاطة بأبعاد الكون، ولكن يدعم هذا الاستنتاج ما رواه كل من قتادة والسدي أن رسول الله قال يوما لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم.
وتوسط الأرض للكون معني حازت فيه عقول العلماء والمفكرين عبر التاريخ. وعجزت العلوم المكتسبة والتقنيات الفائقة عن إثباته، ولكن ما جاء في هذه الآيات الكريمة، وفي هذا الحديث النبوي الشريف يشير إليه، ويجعل المنطق السوي يقبله.
رابعا: بالنسبة إلي إرسال شواظ من نار ونحاس علي كل من يحاول النفاذ من أقطار السماوات والأرض بغير سلطان من الله تعالي:
في الآية رقم 35 من سورة الرحمن يخاطب ربنا ـ تبارك وتعالى ـ كلا من الجن والإنس بقوله عز من قائل: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ} وقد أجمع قدامي المفسرين ومحدثوهم علي أن لفظة شواظ هنا تعني اللهب الذي لا دخان له.
وكلمة نحاس تعني الدخان الذي لا لهب فيه أو تعني فلز النحاس الذي نعرفه جميعا وهو فلز معروف بدرجة انصهاره العالية (1083م) ودرجة غليانه الأعلي (2567م).
ومن الثابت علميا أن العناصر المعروفة لنا تتخلق في داخل النجوم بعملية الاندماج النووي لنوي ذرات الهيدروجين فينتج عن ذلك نوي ذرات العناصر الأثقل بالتدريج حتى يتحول لب النجم إلي حديد.
والتفاعل النووي قبل تكون ذرات الحديد هو تفاعل منتج للحرارة التي تصل إلي بلايين الدرجات المئوية، ولكن عملية الاندماج النووي المنتجة للحديد عملية مستهلكة للحرارة وبالتالي لطاقة النجم حتى تضطره إلي الانفجار مما يؤدي إلي تناثر العناصر التي تكونت بداخله بما فيها الحديد في صفحة السماء لتدخل هذه العناصر في مجال جاذبية أجرام تحتاج إليها بتقدير من الله تعالي.
أما العناصر ذات النوي الأثقل من ذرة الحديد فتتخلق بإضافة اللبنات الأولية للمادة إلي نوي ذرات الحديد السابحة في صفحة السماء حتى تتكون بقية المائة وخمسة من العناصر المعروفة لنا، وهذه أيضا تنزل إلي جميع أجرام السماء بقدر معلوم.
ولما كان عنصر النحاس أعلي من الحديد في كل من وزنه وعدده الذري (الوزن الذري لنظائر الحديد 57،56،54 والوزن الذري للنحاس63.546 والعدد الذري للحديد 26 بينما العدد الذري للنحاس29)، وبناء علي ذلك فإن عنصر النحاس يتخلق في صفحة السماء الدنيا باندماج نوي ذرات الحديد مع بعض اللبنات الأولية للمادة، وهذا يجعل صفحة السماء الدنيا زاخرة بذرات العناصر الثقيلة ومنها النحاس.
هذه الملاحظة تشير إلي أن لفظة نحاس في الآية الكريمة تعني فلز النحاس، لأن التأويل هنا لا داعي له علي الإطلاق، فالنحاس وهو منصهر وتغلي قطراته في صفحة السماء يعد عقابا رادعا لكل محاولة إنسية أو جنية لاختراق أقطار السماوات والأرض.
وقد اتصل بي أخ كريم هو الدكتور عبدالله الشهابي وأخبرني بأنه زار معرض الفضاء والطيران في مدينة واشنطن دي سي الذي يعرض نماذج الطائرات من بداياتها الأولي إلي أحدثها، كما يعرض نماذج لمركبات الفضاء.
وفي المعرض شاهد قطاعا عرضيا في كبسولة أبو اللو وأذهله أن يري علي سطحها خطوطا طولية عديدة غائرة في جسم الكبسولة ومليئة بكربونات النحاس (جنزار النحاس)، وقد لفتت هذه الملاحظة نظره فذهب إلي المسؤول العلمي عن تلك الصالة وسأله: هل السبيكة التي صنعت منها الكبسولة يدخل فيها عنصر النحاس؟
فنفي ذلك نفيا قاطعا، فأشار إلي جنزار النحاس علي جسم الكبسولة وسأله: من أين جاء هذا؟ فقال له: من نوي ذرات النحاس المنتشرة في صفحة السماء التي تضرب جسم الكبسولة طوال حركتها صعودا وهبوطا من السماء، وحينما تعود إلي الأرض وتمر بطبقات بها الرطوبة وثاني أكسيد الكربون فإن هذه الذرات النحاسية التي لصقت بجسم الكبسولة تتحول بالتدريج إلي جنزار النحاس.
ويقول الدكتور الشهابي إنه علي الفور تراءت أمام أنظاره الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها ربنا تبارك وتعالي: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ}.
هذه الملاحظة أكدت لي ما ناديت به طويلا بأن لفظة نحاس في الآية تعني فلز النحاس ولا تحتاج إلي أدني تأويل.
فسبحان الذي أنزل هذه الآيات الكريمة من قبل 1400 من السنين وحفظها لنا في كتابه الكريم علي مدي 14 قرنا أو يزيد لتظهر في زماننا زمان رحلات الفضاء برهانا ماديا ملموسا علي أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
المصدر: موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة