زائر زائر
| موضوع: محاسبة النفس 2008-12-23, 07:13 | |
|
محاسبة النفس
لمحاسبة النفس دور مركزي في تربيتها، وتصويب مسارها، وذلك لكون المحاسبة تفرض على الشخص أن يقوم بجردة حساب مستمرة، يراقب نفسه، ليرى أين أخطأ وأين أصاب، وما هي الأعمال غير المحبذة التي يجب أن يقلع عنها، وما هي الأعمال الحسنة التي لا بد أن يثابر عليها.
هذه المحاسبة تجعل الإنسان في تطور دائم نحو الأفضل، بخلاف الشخص الذي لا يلتفت لما يقوم به، فإنه قد يقوم بأفعال لا يفترض به القيام بها، ولكنه لا يدقق بأموره، ولا يحاسب نفسه، وبالتالي فإنه لن يهتدي لأخطائه وزلاته.
ونظير محاسبة النفس ما تقوم به المؤسسات والتنظيمات والأحزاب... من مؤتمرات داخلية دورية؛ بهدف دراسة الواقع، واستشراف المستقبل، بإجراء جردة حساب لما مضى، تقييم الوضع السابق، مع وضع خطة عمل وبرنامج للمستقبل... وهذه المؤتمرات تقوم بدور إيجابي في إيصال من ينظمها ويعمل على تطبيق مقرراتها لأهدافه المرجوة بأحسن وسيلة ممكنة، ومرد ذلك للنقد الذاتي الذي يتم في المؤتمرات، وللتفكير مليا في آليات العمل في المستقبل.
ومحاسبة النفس على غرار هذه المؤتمرات، ولكنها تكون على مستوى شخصي، وبشكل يومي، وبهدف تهذيب النفس وإيصالها إلى أهدافها الدينية السامية، كما قال الإمام على (ع): "من حاسب نفسه وقف على عيوبه، وأحاط بذنوبه، فاستقال الذنوب، وأصلح العيوب".
إن مفهوم محاسبة النفس يعني أن يكون الإنسان مربيا لنفسه، بدل أن تسوقه نفسه للشهوات واللذات، فيعمل على تطويعها... خصوصا وأن علماء النفس يؤكدون
أن أفضل السبل للتخلص من بعض التصرفات السيئة، يكون بأن يقوم كل شخص بإدانة نفسه، بمعنى تشخيص الخطأ، والاعتراف به، ومن ثم العمل على التخلص من هذه التصرفات، فمواجهة الشخص لنفسه، ومصارحتها، هما الأساس في عملية الإصلاح.
لا شك بأن محاسب النفس اليومية تجعل الشخص بحالة راحة نفسية، لأنه نفسه في أي موقع وبأي أداء وأسلوب... وقد روي الإمام جعفر الصادق (ع): "ما من يومي يأتي على ابن آدم إلا قال ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد، وأنا عليك شفيق وشهيد، فافعل بي خيرا، واعمل بي صالحا، أسهل لك يوم القيامة مصاعب المسلك فإنك لن تراني بعد اليوم أبدا". كما وقال الإمام على (ع): "عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا عنف السياق، واعملوا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ".
وقد تشدد الرسول (ص) والأئمة (ع) كثيرا في موضوع محاسبة النفس، على اعتبار أن طبيعة النفس أمارة بالسوء، وتهوى الانجرار وراء الشهوات وتحقيق الرغبات، فتأتي المحاسبة لتشكل ضوابط للمسلك. ففي وصية الرسول (ص) لأبي ذر الغفاري (رض) قال (ص): "يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فإنه أهون لحسابك غدا، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض، لا تخفى على الله خافية... يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه أمن حلال أو من حرام... يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال، لم يبال الله عز وجل، من أين أدخله النار...".
هناك قصة تنقل عن ابن الصمد (وهو رجل عابد وتقي) أنه كان يحاسب نفسه بشكل قاس، وكان يهتم بموضوع المحاسب كثيرا، حتى وصل به الأمر لأن حسب أيام عمره، البالغة ستين عاما، فتبين له أنها تساوي واحدا وعشرين ألفا وخمسمائة يوم، فقال: "الويل لي، إن كنت قد ارتكبت في كل يوم ذنبا واحدا لا أكثر، فسوف ألقى الله بواحد وعشرين ألفا وخمسمائة ذنب!!!" وبعد ذلك وقع على الأرض ميتا من جراء هول الفكرة. وقد مثل بعضهم شهوات النفس بالشجرة، التي جاء أحدهم لقلعها فلم يستطع، فتركها لليوم التالي؛ لاعتباره أنه في اليوم التالي سيسهل عليه قلعها، والواقع أن الإنسان كلما مر به الزمان ضعف، فهو قبل يوم أقوى منه في يومه، وأما الشجرة فإنها كلما مر بها الزمان كلما تجذرت في الأرض أكثر، وبالتالي يصعب عليه قلعها أكثر.
وتصرفات الإنسان السيئة نفس الشيء، كلما مر الزمان صعب عليه معالجة الأخطاء وكبح الشهوات أكثر. وعلى الإنسان أن يوازن في أعماله، ويعيش حياته بشكل منظم، ويعطي كل شيء حقه، كما جاء في وصية أمير المؤمنين على (ع) لولده الإمام الحسن (ع): "يا بني، للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناحي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها فيما يحل ويحمد، وليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذة في غير محرم".
|
|
شروق ألادرة
عدد الرسائل : 6336 العمر : 35 الموقع : https://amasy.yoo7.com العمل/الترفيه : القراءة المزاج : من الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك اعلام الدول : تاريخ التسجيل : 05/02/2008
| موضوع: رد: محاسبة النفس 2008-12-23, 12:20 | |
| | |
|