هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الروايه التي ابكتني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر
Anonymous



الروايه التي ابكتني Empty
مُساهمةموضوع: الروايه التي ابكتني   الروايه التي ابكتني Empty2008-10-20, 01:47

تحية طيبة وبعد ....
.
.
.
.
أنقل لكم الليلة هذه القصة التي فجع بها أهل جدة في يوم 25 من رمضان الماضي .. وأترككم معها بدون تعليق فهي لن تحتمل
.
.
.

لا أدري كيف أبدأ رواية هذه القصة المؤلمة المليئة بالمواقف والعبر، إنها قصة واقعية موثقة الأحداث بأدق تفاصيلها، ليس فيها إضافة من نسج الخيال مما يجد بعض الكتاب الحاجة إليه لإضفاء شيء من الحياة على أحداث رواياتهم أو لإستثارة مشاعر قرائهم.
فكرت كثيراً كيف أبدأ رواية هذه القصة، وكلما أعدت شريط الأحداث الأليمة عادت بي إلى نقطة وموقف، ثم لأتوقف عند ذلك الموقف في كل مرة عاجزاً عن التعبير فأدركت عندها أنه لا بد سيكون البداية لسرد هذه القصة.
اليوم هو الخميس 25 من شهر رمضان المبارك - الموافق 25 من شهر سبتمبر لعام 2008 م. كنت في عيادتي عندما تلقيت مكالمة من رئيس الأطباء يعلمني أن مسرّة البالغة من العمر سبعة أعوام تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأن تواجدي مع أهلها هام جداً أثناء هذه اللحظات العصيبة فاعتذرت من باقي مرضاي في العيادة وأسرعت للعناية المركزة لأرى المشهد الذي مازال عالقاً في ذهني كلما أعدت الشريط لذلك اليوم أعود وأقف هناك إجلالاً لما رأيت. حقاً صدق من قال "إن هذا الشرع لا يحيا إلا أن يختلط بلحم ودم ويمشي على الأرض"، وقد رأيت ذلك اليوم كيف تتجلى المعاني العظيمة المجردة مثل تعلق القلب بالله والصبر على بلائه والرضا بقضائه، كيف تتجلى هذه المعاني العظيمة في بشر حي فتحيا به، وكيف يصبح المؤمن بها قرآناً يدب على الأرض ... توقفت من على بعد أنظر لأرى وأعتبر بذلك الوالد الذي فقد ابنه الأول ميسرة البالغ من العمر ثلاث سنوات منذ سويعات قليلة وها هو الآن يودع إبنته مسرّة.
إن أعظم كتب الوعظ وأبلغ وعاظ الأرض ليعجزون أن يوصلوا هذه المعاني التي كان يخطها والد ميسرة ومسرّة في الصحف العلوية في ذلك المكان وذلك الزمان والله يسمع ويرى ويباهي ملائكته بعبده وهي تنظر إليه "قبضتم فلذات كبد عبدي فماذا قال عبدي؟".
رأيت كيف يجسِّدُ إنسان واحد في موقف ما ذلك المعنى الذي يصحح الله به ألف معنى، وكيف يكون المؤمن الواحد عندئذ هو فن الحياة كلها بل أستاذها ومعلمها بِصَمْتِه قبل نُطِقه وسُكونه قبل حركته، لحن سماوي يخرج من المؤمن دون قصد أو تصنع أو تمثيل في وقت تنصهر فيه معادن الرجال ليخرج منها جوهرها ولبّها وأصلها ويتطاير كل ما دون ذلك مما يخالطها من تراب الأرض وقبضة الطين وزور الدنيا.
وقفت بعيداً أنظر إلى ذلك الأب الذي فقد إبنه ميسرة قبل ساعات وهو الآن يودع ابنته مسرّة، بل قل وقفت أنظر إلى تلك المدرسة، وقد تخيلته في تلك اللحظة وهو يمسك بستار غرفة العناية المركزة إلا كأنما يمسك بأستار الكعبة تارة ينظر إلى إبنته كأنه يناديها، وتارة ينظر للسماء كـأنما يناجي ربه، وتارة أخرى ينظر إلى الأرض كمن يذكر نفسه أننا منها خُلقنا وإليها نعود.
عجيب أمر الإنسان ... بكل ضعفه يصبح مدرسة الكون عندما تعمل النفحة الربانية فيه عملها، وتقود في مثل هذا الموقف زمام أمره.
وضعت نفسي مكانه وسألتها يانفسُ ماكنتِ فاعلة في موقف مثل هذا؟ ... أكنتِ تجزعين، أو كنتِ تصبرين؟ ... لا كتب الله علينا مثل هذا الإبتلاء ... اللهم إن عافيتك أوسع لنا ...
ثم قلت في نفسي "إن لهذا الرجل مع الله لحالاً" فمثل هذه المواقف تشهد بالإيمان بما يعجز كل أهل الأرض أن يشهدوا به لأحد منهم ولو اجتمعوا".
انتقلت مسرّة إلى ربها وبقي والد مسرّة وميسرة، بقي المعنى الذي أحيا الله به في قلوب كل من رأوه ذلك اليوم والأيام التي تليه من الفضائل والمعاني ما يعجز القلم أن يعبر عنه.
وذهب والد ميسرة ومسرّة في إيمان ليبلَّغ زوجته بفقدان نصف أبنائهما في هذه السويعات القليلة ليكون أول ما تتفوه به الأم دون جزع ولا عويل ولا صراخ وإنما هو الإيمان بقضاء الله وقدره وحكمته ورحمته "لايأتي من الله إلا خير".
قذف الله في قلبي ذلك اليوم أن دوري أكبر وأبعد من مجرد دور طبيب أو رئيس تنفيذي لمستشفى، وأن هناك واجباً قد أوجبه الله علي سأشرك فيه المجتمع بأسره بعرضي هذه القصة عليهم وبسردي تفاصيلها الدقيقة لهم، وقررت أن أغوص في أعماق القضية وأعيش مع والد ميسرة ومسرّة قصته كلّها منذ اللحظة التي حملهما فيها بين يديه وقد دخلا الدنيا إلى اللحظة التي حملهما فيها بين يديه وأدخلهما القبر وتركهما هناك، ووافق الأب وجلس يسرد القصة بتفاصيلها، وعشت معه ساعات لم أر فيها أو أسمع قصة والد فَقَدَ ولديه بل لأكون أنا هذا الوالد الذي فقد ابنه وابنته في ذلك اليوم.
بدأت أعيش أحداث القصة ... فحاله حالي وألمه ألمي ولسانه قلمي، ها أنا ذا أكتب قصة رحيل مسرّة وميسرة كما هي بتفاصيلها الدقيقة بقلمي وكأنني أنا الذي فقدتهما تجسيداً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم
والله لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
فإليكم قصتي ...
((لا أدري من أين أبدأ ... هل أبدأ من أول صرخة من فمها أطلقتها ... أو أول لحظة وقعت عيناي عليها ... أو أول يوم حملتها بين يدي ... أو أول ابتسامة رَسَمَتهَا على خديها ... أو أول خطوة مشتها تحت ناظري ... أو أول يوم صحبتها لمدرستها ... أو أول كلمة قرأتها على مسمعى.
ولدت مسرّة ابنتي الثانية، وسبحان الله كيف ولدت مسرّة، كانت بحق مسرّة لنا منذ أول يوم دخلت فيه الدنيا، فقد وصلنا إلى المستشفى لإجراء الفحص العادي ولم نتوقع الولادة، فتركت زوجتي مع والدتي ورجعت للعمل وطلبت منهم الإتصال في حالة الإنتهاء من الفحوصات وكانت الساعة الثانية عشرة ظهراً، وصليت الظهر، ووجدت مكالمة على جوالي فاتصلت فقيل لي ولدت مسرّة فعدت سريعاً للمستشفى لأجد طفلة سبحان الذي خلق فسوى فقد آتاها الله جمالاً، وقد نَزَعَتْ إلى أخوالها بعيونها الزرقاء وشعرها الأشقر بخلاف أختها الكبرى فريال التي آتاها الله جمالاً من نوع آخر، وأسمينا هذه الطفلة الجديدة "مسرّة" لما أدخلت في قلوبنا من الغبطة والسرور منذ يومها الأول. تحدثت مسرّة في سن مبكر جداً وما زلنا نحتفظ ببعض تسجيلات الفيديو لها وهي في شهرها السابع تنطق بكلمات واضحة وتضحك ضحكات عالية كأنها طفلة كبيرة، وعندما أتمت مسرّة من العمر سنة بدأت تتحدث بطلاقة ما عهدناها لدى الأطفال وكانت دائماً فرحة مسرورة حتى أنّ جدتها كانت تقول سبحان الله الذي خلق هذه الطفلة لم أرها قط إلا مسرورة وما رأيتها يوماً حزينة.
وكانت مسرّة متعلقة تعلقاً كبيراً بأختها الكبرى فريال التي تكبرها بأربع سنوات حتى سُمَّت فريال بأمها الثانية وكانت تنام دائماً معها.
عندما أسترجع الذكريات الجميلة أتذكر كيف جمعت مسرّة من المتناقضات ما يزيد من حبنا لها، فبالرغم من ذكائها الحاد واستغراب الناس لإدركها لخفايا الأمور وما وراء الأشياء إلا أنها كانت لينة العريكة سهلة الإقناع رغبة منها ألا تستعرض ذكاءها وأن لا تسبب إزعاجاً لنا، وكان لها منطق فطري يدهشنا في كثير من الأحيان، ومثال ذلك عندما كانت في الثانية من عمرها وحضرت حفلة مدرسة أختها الكبرى فريال، وقد عُرِضَت على الأطفال تمثيلية قصة الراعي الذي كان يملك غنمات وكان الذئب يأخذ كل يوم منه غنمة حتى نصب له الراعي فخاً وأمسك به وأخذ يضربه فقامت مسرّة في وسط القاعة صارخة "لا تضربوه .. لا تضربوه"، فأوقف عرض المسرحية واندهش الجميع من تصرفها، واقتربت منها المدرّسة وقالت لها "لا تخافي حبيبتي أليس هذا هو الذئب الذي يأكل غنم الراعي؟" فأجابتها "نعم"، ثم سألت مسرّة المدرّسة على مرأى من الناس "وهل يأكل الذئب الدجاج كذلك؟" فأجابت المدرسة "نعم" فقالت مسرّة "وأنتِ مش تأكلي الدجاج كمان" فبهتت المعلمة وضحك جميع من في القاعة من تعليقها الذكي الفطن، وما هذا إلا موقف من عشرات المواقف التي تنم عن فطنة وذكاء حاد.
كانت مسرّة مليئة بالحياة والنشاط لا تكاد تستقر في مكان واحد، وعندما أسترجع كل ذلك النشاط والحياة يبدو لي كأنها كانت تعلم أن أيامها على هذه الأرض معدودة فكان لها أن تعطي كل لحظة من حياتها حقها حتى لا تضيع لحظة من حياتها فيها شيء من الحياة ولم تخرجه منها تلك الصغيرة لتحياها وتحيا بها وتُبقي لنا ذكريات مليئة بالنشاط والأخذ والعطاء، فسبحان الذي جمع في هذه الطفلة المتناقضات العجيبة، فبالرغم من نشاطها غير العادي وروحها الإستكشافية وحبها للمغامرة والدعابة والضحك أو ما نسميه في العامية "بالشيطنة" في البيت، إلا أنها كانت نموذجاً في الإنضباط والسيطرة على تلك الروح المفعمة بالحياة، فكانت تذهلنا بمدى سيطرتها على نفسها وتحكمها في تصرفاتها، وكانت تغار من أختها الكبرى فريال -تدلل بإسم فراولة- كيف تمسك فريال بالقرآن وتقرأ فيه ومسرّة لا تقرأ بعد، وتأتي فتحمله مثل أختها فتناديها أمها أن لا تلعبي بالقرآن فكانت هذه القضية تسبب لها عقدة، وحفظت معظم السور الصغار من أختها الكبرى وهي تحفظها على مسمع منها وما كانت تقرأ آنذاك، واعتبرت مسرّة إنضمامها لأختها الكبرى في نفس المدرسة هو أكبر مكافأة لها.
كيف أنسى طفلتي الصغيرة مسرّة؟ كيف أنها قبل أول يوم دراسي لها بشهر كامل تستيقظ كل صباح باكراً وتعلق شنطتها في ظهرها وتمسك المصحف بيدها اليمنى وتقول لها أمها أتركي المصحف يا مسرّة .. وتجيبها "لا أنا خلاص زي فراولة ما تاخدوا مني المصحف أبداً

وبالرغم من قدرتي المادية الجيدة إلا أن زوجتي رفضت أن تكون معنا خادمة في البيت حرصاً منها أن تعتني بأبنائها بنفسها تسهر عليهم وترضعهم حتى ينفطموا وإن طالت الفترة إلى عامين أو يزيد، وأنا في المقابل كنت لهم سائقاً وأرعى مصالحهم وطلباتهم بنفسي، فكنّا بذلك أسرة مترابطة متلاحمة يسعى كل منا ليخدم الآخر، وأبناؤنا لا يفارقوننا، ولا أذكر أننا خرجنا يوماً وتركناهم لغيرنا يعتنون بهم، وكانت كل تقارير مسرّة في مدرستها تعكس مثالياتها وانضباطها واجتهادها وذكاءها، وإن كان فيها شيء عجبت له مدرساتها وهي إلتفاف زميلاتها دائماً حولها، وكانت المدرّسة تعجب لذلك فسَأَلَتها يوماً عن سبب ذلك فكانت إجابة مسرّة تلقائية فطرية "أنا أحبهم وهم يحبونني". وهل لغير الحب الصادق تنجذب الأرواح وتُمْتَلك، وقد أتي الله بحق صغيرتي محبة في قلوب خلقه إلى الحد الذي جعل أمها تخاف عليها. وأنهت مسرّة عامها الأول وكانت نهاية مشرفة حيث اتصلت بي مديرة المدرسة وسألتني "هل عند مسرّة مُحَّفظة للقرآن في البيت" فأجبتها "لا، هي تحفظ فقط في مدرستها" .. فقالت: "أنا أستغرب من قرآتها فإنها تقرأ بتجويد لا بد أنها درست على يد أحد" ... أي نعم والحمد لله أنا كنت مُحَفظاً للقرآن ولكنني لم أُحِّفظَها ولم أُقَرِّأها، فاستئذنتني المدرّسة أن تأخذها تقرأ في الفصول الأخرى لتشجيع باقي الطلبة، فترددت واستشرت أمها ثم توكلنا على الله، واتصلت بي المدرسة مرة ثانية تستأذنني أن تقرأ مسرّة في حفلة للطلبة الكبار فأجبناها أن مسرّة ما زالت طفلة صغيرة وهذه مدرسة تحفيظ فيها كثير من الفتيات الحافظات، ولكن الله وهب مسرّة صوتاً جميلاً وتلاوة مميزة، وكانت تتقمص أصوات كبار القراء كالحصري والمنشاوي بل وتتجهم وترسم على وجهها الجدية والوقار وكأنها شابة لا طفلة، وكانت مسرّة مولعة بالقرآن ومتلهفة أن تحفظ أكبر قدر ممكن حتى تلحق بأختها الكبرى فريال، حتى أنها أصرّت في السنة الثانية أن تسبق مدرستها ووعدتها أن أحضر لها محفظة بناء على إلحاحها.
وفي يوم سألتُ أمها ما سبب استعجال مسرّة في حفظ القرآن فلم تعرف السبب، فطلبت من أمها أن تستفسر منها وتستدرجها في الكلام لتعرف منها ما تريد من وراء هذا الإستعجال، هل هي تنتظر منا مكافأة أو هدية أو غير ذلك؟ .. وأي إجابة تلك التي أجابتنا بها مسرّة فقد قالت لنا "اللي يحفظ القرآن ربنا يلبسه تاج الملك ويلبس أمه وأبوه، ولو أختي فريال حفظت قبلي حتلبسكم التاج قبلي وأنا ما أبغى .. أنا أبغى التاج حقي هو الأول تلبسوه".
والله ما سررت في الدنيا قدر ما سررت بتلك الكلمات، واستمرت مسرّة تجلب لنا السرور بشتى أشكاله وصوره وألوانه، فقد حباها الله ذكاءً حاداً وسرعة في الحفظ عجيبة فكانت تحفظ صفحتين في اليوم الواحد حفظاً كاملاً ليس فيه خطأ واحد، وكان لها تفسيرها الفطري للآيات .. تلك الفطرة الحيّة التي هي خير ما يتجاوب مع كلام فاطر السماوات والأرض دون تصنع أو تكلف أو تطويع للآيات أو نظر عميق فيها بتلك الأدوات التي يحتاجها العلماء لفحص معاني الآيات، ففي يوم جاءتني أختها فريال وقالت لي: (يعني أيش "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" يعني ربنا جاء معاهم في الغرفة سمعهم) فأجابتها مسرّة وهي مستلقية: "يعني أفهمي يا فراولة إن الله يسمع كل شيء حتى لو كنتي تحت السرير يسمعك"، وكأنها بقولها هذا قد فهمت قوله سبحانه وتعالى "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله إن الله لطيف خبير"، أو قوله سبحانه وتعالى "وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين".
كنا في يوم نجلس ونشاهد التلفاز فجاء الحديث "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله" وتحدثنا عن أناس يطردهم الله من رحمته قالت: "أيوه الملاعين" قلت لها "الملاعين مين؟... الشياطين؟" قالت "لا" قلت لها "يعني إيش" قالت "دحين أقول لك"، وقعدت تقلب في التلفزيون ولكن لم تجد ضالتها ونَسيتُ أنا الموضوع وبعد نصف ساعة أو يزيد وجدتها تصرخ علي فنادتني فأتيتها وقلت لها خير وجدتها تنظر إلى قناة وأتت بحديث "لعن الله الراشي والمرتشي" قالت لي "هدول في منهم ملاعين ... هم دول الملاعين زي كده عرفت يا بابا مين هم الملاعين"، وأنا أقف بين يدي طفلتي في ذهول واندهاش، هل كانت طفلتي حقاً تعلم معنى الراشي والمرتشي؟!.. أو أن الذي أنطقها هو فاطرها، وهل يجري الله الحق إلا على ألسنة مثل هذه القلوب الطاهرة، وهذا الفطرة السليمة التي لم تنتكس بعد.
مازالت كلمات صغيرتي وضحكاتها تدوي في أذني ... وما ذكرت لكم هنا إلا غيض من فيض، وهذا الذي يجعلني أسأل نفسي كيف أوزع صبري؟ أأوزعه على كلماتها وضحكاتها التي ما زلت أسمع صداها في أرجاء بيتي؟ .. أو أوزع صبري على ذكرى كل حركة قامت بها في حياتها محفورة في عقلي وقلبي؟ .. أو كل مكان كان له مع طفلتي لحظة حياة ... يُخرج لي به طفلتي من قبرها فأعود أدفنها، فكنت لا كالذي دَفَن روحاً واحدة .. بل كالذي يدفن أرواحاً وأرواحاً في كل لحظة من حياته .. وإنني أموت بموتها كل يوم على قدر ما يحيي المكان والزمان من ذكراها.
وكان من نقاط ضعف صغيرتي مسرّة أنها كانت لا تقدر أن ترى أحداً مكدراً متألماً حزيناً، وكنا إذا أردنا منها شيئاً هو خير لها لا نجد أنجع طريقة من أن نُظهر لها حزننا ودموعنا فتفعل ما نطلبه منها حتى لا نحزن وتقول لنا "أهم شيء إنكم ما تزعلوا". وتمر الأيام وجاء 4/4/1427 هـ، ومسرّة في السنة الثانية وقد أكرمنا الله بميسرة .. وُلِدَ ميسرة وقد كان كالتوأم لأخته مسرّة وإن كان فارق السن بينهما أربع سنوات.
حقاً قلّما تجد إثنين يتماثلان في الطباع والتصرفات كتماثل مسرّة وميسرة، حتى طريقة حَبْيَهُما على الأرض تختلف عن أختهما فريال وأخوهما بلال الذي لم يكن قد وُلِدَ بعد فكانا يحبيان بإستعمال يد واحدة فقط هي اليد اليمنى، وكان هذا ليس بطبيعي عند الأطفال، وكانا ملتصقان كالتوأم، تشابه عجيب في الصفات والحركات والطباع، وكان ميسرة دائماً يستعين بمسرّة دون غيرها في البيت في كل صغيرة كبيرة، وكان ميسرة ينام في السرير مع أمه، ثم انتقل إلى غرفة إخوته، وكان يلعب مع أخته طوال يومه ولكن يقوم في منتصف الليل ويلجأ إلى أخته الكبرى فريال وينام معها إلا في ليلة واحدة ولأول مرة في حياته ذهب ونام في حضن أخته مسرّة، وكانت تلك هي الليلة الأخيرة في حياة ميسرة ومسرّة.
يتبع.......


عدل سابقا من قبل ربيع في 2008-10-20, 02:15 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البرفيسوره الصغيره
مشرف قسم
مشرف قسم
البرفيسوره الصغيره


انثى عدد الرسائل : 205
اعلام الدول : الروايه التي ابكتني Sudan110
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الروايه التي ابكتني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الروايه التي ابكتني   الروايه التي ابكتني Empty2008-10-20, 02:03

Rolling Eyes فعلا قصة روعه والكاتب اروع واروع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الروايه التي ابكتني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: فيض القلم :: &* *& أماسي للقصص والراويات &* *&-
انتقل الى: